رأي
مؤخرا اطلعت على تفاصيل خاصة بشأن مشروع عمل فني ضخم جدا عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. المشروع يتلخص في مسلسل تلفزيوني وكذلك فيلم سينمائي من إنتاج شركة "Samanyolu group" الشهيرة، وبتمويل قطري.
من الجميل جدا أن نقدم رموزنا التاريخية والدينية في إطار فني معاصر، فلغة الصورة لغة عالمية عابرة للحدود والثقافات، ولدينا الكثير مما يستحق أن نسوّقه شريطة أن تكون الرسالة مقولبة بطريقة متقنة لكي يسهل تسويقها، لكن في زمن الطائفية والتوظيف السياسي للفن والإعلام فإن مشروعا بهذا المستوى من الأهمية مثير للاستفهام ومدعاة للتأمل، وخصوصا حينما يكون طرفا المشروع دولتين تثار حولهما علامات الاستفهام في ما يخص دعم الإرهاب وتذكية التخندق الطائفي الصارخ، إلى جانب أن الشركة المنتجة تتبع الداعية المثير للجدل فتح الله كولن.
لكن من جهة أخرى فإن مباشرة الأتراك والقطريين ذلك المشروع يؤشر إخفاقا واضحا في الخنادق الأخرى، وخصوصا خندق الإسلام المعتدل عند الطائفتين، الإسلام الذي يحاول تجنب إثارة المشكلات التاريخية في إطار عدائي مستفز. عن تلك القصة نتساءل جميعا ألم يكن بالإمكان مباشرة مشاريع تتحدث عن الإمام الحسين وبميزانيات معقولة؟! ألم يكن الأفضل مباشرتها مبكرا؟! إن الموانع الشرعية والهروب من الجدل الذي يثار عادة حول مشاريع من هذا النوع تفسح المجال لكل من هب دب أن يدلي بدلوه ويقدم بضاعته الفنية وخصوصا إذا كان يمتلك المال والامكانيات الفنية اللازمة.
ما زالت الأمور في بدايتها ويمكن تلافي الموقف الصعب ومباشرة عمل ضخم يتناسب وشخصية الحسين ذلك الرمز الإنساني المعطاء، لاسيما وأن هناك عشرات المشاريع الفنية الناضجة المطروحة على الطاولة في أروقة المرجعيات الدينية، فلماذا هذا التردد الغريب! شئنا أم أبينا فإنه لا يمكن تجاهل استخدام التقنيات الحديثة والأساليب الفنية المعاصرة في تسليط الضوء على رسالة الحسين وغيره من الرموز الدينية الإسلامية، ولهذا فإن التردد المبالغ فيه سوف يفوّت الفرصة علينا ويترك المجال مفتوحا للآخرين كي يقدموا مشاريعهم المثيرة للجدل، ونكتفي بعد ذلك بالبكاء على اللبن المسكوب!