رأي
من اهم النكسات التي مرت على الجيش العراقي هي نكسة حزيران الماضي على أيدي الدواعش. المؤسف في تلك النكسة انها لم تكن نتيجة انكسار بعد مواجهات ومعارك، بل كانت نتيجة سلسلة من الخيانات.. تقاعس وتقصير القيادات التي ادارت الملف الامني بشكل مخز، وايضا الرتب والضباط في معظم الاحيان. بعد ذلك الانكسار الرهيب تم استيعاب الصدمة وخصوصا بعدما دخلت على الخط تشكيلات الحشد الشعبي.
وقفت داعش على اسوار بغداد. الجدار الاسمنتي المقاوم اجبرها على تغيير البوصلة باتجاه الشمال. في تموز الماضي بدأت الانتصارات تتحقق، فطهرت معظم مناطق ديالى وضيّق الخناق على الفلوجة، والعديد من المناطق الاخرى، وتوالت الانتصارات الميدانية في آب الماضي أيضا، لكن ونتيجة للمتغيرات السياسية التي حصلت، وخصوصا الترحيب الدولي الكبير والمبالغ فيه بعيد وصول العبادي الى رئاسة الوزراء، دفع الاخير الى الاسترخاء واعتبار الحرب ضد داعش محسومة بقرارات سياسية. كان يتصور ان اللعبة انتهت، وان دور الحشد الشعبي انتهى ايضا!
هذه القراءة المستعجلة للواقع السياسي الاقليمي والدولي منحت داعش ومن يقف خلفها مزيدا من الروح المعنوية، ما تسبب في حدوث انكسارات لا تقل فداحة عما حصل في حزيران اثر سقوط الموصل. تقهقرت القوات المسلحة من الجيش والحشد الشعبي، واستحوذ الدواعش على مناطق عديدة محررة فيما سبق، وخصوصا في الفلوجة. ذلك الواقع المتردي جدا دفع الشارع العراقي والمرجعية الدينية لرفع الصوت عاليا بضرورة مراجعة الموقف، وايقاف التدهور الحاصل.
وعقب فوات الاوان وحصول مجزرة الصقلاوية والعديد من المجازر الاخرى عادت الحكومة الى رشدها بعد ان تبين لها ان التفريط ببعض القطعات المهمة من الحشد الشعبي، اولا، وثانيا تحييد سلاح الطيران زاد الامور سوءا واعادنا الى نقطة الصفر.
منذ قرابة شهر من الآن عادت وتيرة الانتصارات مرة اخرى، في العظيم، شمال بابل وخصوصا جرف الصخر، وكذلك بعض المناطق في حزام بغداد الشمالي خصوصا بيجي وما حولها.
الآن وبعد ان شعر المقاتل في جبهات القتال بدفعة معنوية هائلة بسبب مجريات الامور وتحوّلها لصالح الجهد الوطني المناهض لداعش، لا ينبغي لنا ان نعيد تكرار الاخطاء والخطايا من جديد. الشعارات التي تطرحها القوى السياسية لا تسمن ولا تغني من جوع، فنحن نواجه عدوا أقر الجميع بصلابته وجنونه وعبثه اللامحدود. لا يمكن ان نفرط بتلك التضحيات الجبارة تحت لافتة الخوف من الميلشيات، مع هذه المحاصصات البائسة، ومع فشل الدولة العراقية فان التغني بالمثل العليا ضرب من الخيال!
الفصائل المسلحة الوطنية حتى وان كانت "ميلشيات" في الواقع، الا انه لا يمكن التخلي عنها في الوقت الحالي مهما كانت مضاعفاتها التي لا تخفى عن الجميع في الحاضر او المستقبل، ولكن للضرورة احكام كما يقال.
يجب البحث عن حلول قانونية وعقلانية تحفظ لهذه التشكيلات تضحياتها الجبارة في الدفاع عن الوطن، ومن جهة اخرى تضبط ايقاعها في الشارع وتحد من تهور بعض عناصرها التي ربما لا تتوانى عن توجيه السلاح ضد المواطن البريء، كما حصل في تجارب سابقة. ان فصائل الحشد الشعبي مشكلة مستقبلية بلا شك، ولكن محاربتها في الوقت الحالي ليس الا ضرب تحت الحزام في ظل التدهور الملفت الذي تشهده المنطقة بشكل عام.