رأي

"بوكيمون" تركي

"بوكيمون" تركي

منتظر ناصر

 غزت لعبة البحث عن "بوكيمون" مؤخرا هواتف الشباب والمراهقين الذكية بشكل غير مسبوق، لتحل بديلا عن ألعاب مسلية أخرى كثيرة، ما جعلهم يقضون ساعات في البحث عن حيوان مفترض هو أقرب ما يكون للواقعي، اللعبة ببساطة تمزج بين الواقع والمتخيل، وتجعل من مستخدميها يسيرون داخل البيوت، وفي الشوارع والأزقة، ينقّبون في مقتنياتهم وبين السيارات والزوايا والحدائق للحصول على المزيد من هذا الحيوان الكارتوني، والهدف هو الحصول على رصيد إضافي.  

 

جاء ذلك متزامنا مع شيوع أخبار الانقلاب العسكري التركي، التي غزت هي الأخرى شاشاتنا، حتى غدا -هذا الانقلاب- أشهر من كل المسلسلات التركية بجميع أجزائها.. وما بين هذين الغزوين ثمة وشيجة، وخيط خفي، وأكثر من تشابه.   فالانقلاب العسكري التركي جاء هذه المرة مختلفا عن خمسة انقلابات سابقة بفعل ارتباطه باستخدام الهواتف الذكية، حيث كان الانقلابيون يتبادلون الأوامر والتعليمات عبر (الواتساب)، مقابل أردوغان الذي قيل أنه بدأ العد التنازلي لفشل الانقلاب بخطاب مرتجل ومبتسر على برنامج الـ(فيس تايم).  

 

وأيا كانت التكهنات والتحليلات حول من يقف وراء الانقلاب، إلا أنه لم ينجح بإزاحة أردوغان من عرشه كأعلى هرم في السلطة، لكنه صنع منه أشهر لاعب "بوكيمون" في العالم! فدوامة الهوس التي دخلها الباحثون عن "بوكيمون"، والتي جعلت بعضهم يعبرون الحدود ويتعرضون الى كثير من المطبات الغريبة، لم تصل الى حالة الهوس التي دخلها الرئيس التركي حين أخذ يلاحق "بوكيمونه" المفترض، في كل من يشتبه بعلاقته بغريمه الحالي وحليفه السابق رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، من أجل تقليم أظافره، والحد من نفوذه، وتهشيم دولته "الموازية"، فجعلته يفتش داخل القضاء وفي الدوائر والجامعات والمدارس والسفارات والجيش والاستخبارات ووو، عن حيوانه المفترض، فقد جمع منذ فشل الانقلاب العسكري وحتى الآن، 70 ألف "بوكيمون" تركي، بين معتقل ومعزول من وظيفته في القضاء والجيش والدوائر والجامعات والمدارس، ناسفا بذلك كل مظاهر فصل السلطات التي كان يُروّج لوجودها في البلاد، حيث لم يبق مكان لم تصل اليه يد أردوغان النابشة عن "بوكيمون انقلابي"، بل وصل به الأمر الى عبور الحدود، والتقاط الملحقين العسكريين وعدد من الدبلوماسيين، واتهام دول عابرة للبحار والمحيطات.  

 

المفاجأة كانت يوم أمس السبت، حين سرّب موقع "ميدل ايست آي" البريطاني الاخباري اتهام المخابرات التركية، للقيادي الفلسطيني محمد دحلان بالوساطة في نقل أموال إماراتية الى الانقلابيين للمساهمة بالتحضير لمحاولة الانقلاب، فضلا عن توسطه بين حكومة أبو ظبي والداعية المنفي فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بأنه المدبر الرئيس لمحاولة الانقلاب، هذه المفاجأة ستفتح الباب أمام تساؤل عريض، فحواه أن أردوغان الساعي للقبض على "غولن" باعتباره أكبر "بوكيمون" تركي مطلوب، هل سينتقل بعد تنقية إسطبله الداخلي الى البحث عن "بوكيمون" فلسطيني وإماراتي، أو ربما أميركي، خصوصا بعدما انتقد بشدة قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل، على تعليقاته حول إبعاد ضباط الجيش التركي عن مهامهم؟  

 

مقالات أخرى للكاتب