رأي
(تحط الفراشات على صدور القتلى المنتصرين والمهزومين على السواء بعد المعركة.. شاعر صيني قديم)
كتبت مساء أمس تعقيبا على صفحة الصديق الكاتب أسعد أبو خليل الذي كتب (ليس هناك من انتصارات في الحرب في سوريا: هناك هزائم فقط)، فعقبت على ما كتب بالكلمات التالية: الانتصار الوحيد الممكن تصوره في الحرب في سوريا هو أن تنتهي هذه الحرب بأسرع ما يمكن، و تتوقف طاحونة الموت والتدمير، أما الهزيمة فهي في استمرارها شهوراً أو سنوات أخرى.
ولتوضيح تعقيبي هذا أضيف الآن على صفحتي : قد يعلق البعض بأن كلامي هذا يعني الاستقالة والهروب من اتخاذ موقف، لهذا البعض أقول مع الاحترام: كلا قطعاً، وعذرا لأنني سأتكلم عن نفسي قليلا كشاهد و كمثال على مواقف شبيهة لأصدقاء آخرين:
حين بدأت الانتفاضة السلمية في سوريا كتبت مؤيدا لها، فمن ينتصر لانتفاضة شعبه في ربيع 1991 ضد دكتاتورية صدام حسين لابد أن يكون مستقيما مع نفسه ويتضامن مع انتفاضات مماثلة لشعوب شقيقة ضد انظمة من ذات النوع، وحين بدأت المعارضة السورية بعسكرة الانتفاضة ردا على قمع النظام أدنت الطرفين ودعوت إلى وقف الحرب والتفاوض على حل سلمي.
ومع دخول الفصائل التكفيرية المسلحة الميدان و تدخل الدول الغربية والخليجية بالمال والسلاح والمحاربين توقفت تماما عن تأييد المعارضة المسلحة واتخذت منها موقفا نقديا مثلما بقيت على موقفي النقدي من الحكم لأنه فرط بمناسبات كثيرة للوصول الى حل سياسي مع المعارضة غير التكفيرية عبر حلحلة النظام الدكتاتوري الوراثي، دون أن استثني هذه المعارضة من نقدي لإصرارها على منطقها الثأري (يا إما نحن يا إما هم) فهذا ليس منطق دعاة السلام وبناء.
ومع التدخل الروسي والإيراني، أعلنت تحفظي على هذا التدخل، كما تحفظت على تدخل حزب الله اللبناني رغم تأييدي وتعاطفي المستمر معه حتى اليوم على جبهة مواجهة العدو الإسرائيلي وركزت في كتاباتي على تأييد الموقف القائل بضرورة وقف الحرب والتدخلات الأجنبية جمعاء.
واليوم ومع هزيمة المعارضة المسلحة التكفيرية وغير التكفيرية في حلب أتمسك أكثر بمواقفي النقدي، وأدعو إلى وقف الحرب بأسرع ما يمكن وانقاذ ما تبقى عبر انتهاج الخيار التفاوضي السلمي دون أن تأخذ سكرة النصر بعقول البعض، فلا مذاق ولا طعم للانتصار وسوريا الجميلة مدمرة وشعبها الطيب مشرد بالملايين أو في القبور والمشافي بمئات الآلاف. لماذا أقول ذلك؟ لأن الحرب ومخاطر التقسيم لم تنتهِ بنهاية معركة حلب، وقد تطول وتتعقد أكثر: فتركيا احتلت أراضٍ سورية و أوجدت لها معارضة مسلحة عميلة لها تأتمر بأوامرها. والولايات المتحدة والمنظمات الكردية وغير الكردية العميلة لها تحاول احتلال مناطق أخرى بحجة تطهير الرقة وغيرها من عصابات داعش والدول الخليجية وفي مقدمتها مملكة القهر السعودية تواصل ضخها للمليارات و أطنان الأسلحة لتفتك بمن بقي حيا من السوريين وبما تبقى شاخصا، وعلى الطرف المقابل لا يبدي النظام السوري وحلفاؤه أي استعداد لمشروع سلمي جدي وحقيقي ينهي هذه الحرب المشؤومة عبر تنازلات تؤدي الى قيام نظام ديموقراطي ويراهن على الحسم العسكري وحسب، ولهذه الأسباب مجتمعة أكرر ما بدأت به:
الانتصار الوحيد الممكن تصوره في الحرب في سوريا هو أن تنتهي هذه الحرب الملعونة بأسرع ما يمكن، و تتوقف طاحونة الموت والتدمير ويعود ملايين النازحين الى بلادهم وديارهم، أما الهزيمة الحقيقية للجميع فهي في استمرار الحرب شهوراً أو سنوات أخرى.
*كاتب عراقي