رأي
سادت في مجتمعنا فكرة مفادها أنه لا توجد مشكلة في أن تكون الوسيلة مشروعة أم غير مشروعة بقدر ما تكون الغاية أيا كانت نوعها هي الأهم بغض النظر عن نتيجة الفعل؟؟ ولا يهم إن كانت النتيجة مخالفة للقيم والمبادئ أو ربما قد تتبعها عواقب وخيمة؟؟ أصبحنا بالمحصلة مطوقين بطوق الميكافيللية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى , الغاية تبرر الوسيلة أو الواسطة.
لا عجب ولا غرابة أن يكون للإنسان طموح ورؤيا لمستقبل يضعه في خياله ويسعى لتحقيقه , فلكل منا طموح, وقد يكون هذا الطموح في بعض الأحيان جامحا لكنه مشروعا عندما يكون ضمن منظومة القيم الأخلاقية التي يفرضها المجتمع إن كان من يؤمن بها ليبراليا وتفرضها الأديان إن كان من يؤمن بها متدينا, لكن المشكلة اليوم هي تجاوز المألوف من أجل تحقيق الغاية, والمشكلة الأعظم إن ما نستنكره من أفعال أصبح طبيعيا في مجتمع ينظر لمن يستنكر اللامألوف بأنه متخلف وشاذ عن القاعدة؟؟ أصبح العمل بالاستثناء على حساب القاعدة هو السائد والأصل غدا شاذا والشاذ هو ألأصل؟؟
رغم شهرة ميكافيللي والتصاق مفهوم الغاية تبرر الواسطة باسمه إلا أنه غير معروف لهذا الجيل, ليس لهذا الجيل ذنب إن كان لا يعرف من هو ميكافيللي لاسيما وهو لا يعرف أصلا من هو المتنبي؟؟ جيل يعيش الميكافيللية بكل تفاصيلها , ميكافيللية فكرية ودينية وسياسية واجتماعية وتربوية, جيل فتح عينه على الحروب وسياسات التجهيل المدروسة والتحريف الديني والدس المنظم, جيل مسير موجه عن بعد لا يعرف رأسه من قدمه ,جيل أصبحت كتبه محرفة وتاريخه مزور وثقافته محدودة إن لم تكن معدومة وأصبح تابعا مطيعا لمن يبكيه أكثر.
حينما كنا صغارا كانت كتبنا مليئة بالقصص التي لها معنى, قصص خرجت من نسج الخيال لكنها انعكست على سلوكنا وتفكيرنا وتركت أثرا كبيرا في حياتنا ورغم تقدم العمر بنا إلا أنها ظلت راسخة في عمق أذهاننا بل أصبحت بوصلة تحدد اتجاهاتنا وما نرنو أليه لمستقبلنا.
لقد ترك الموروث الشعبي لنا قصصا بسيطة تركت في نفوسنا أعمق ألأثر ولعلي أوفق في تذكر إحداها رغم أنني سمعتها قبل أربعين عاما لكنها التصقت في ذهني كما يلتصق الغراء بالخشب , قصة بسيطة بفكرتها لكنها عميقة بمعناها , ربما لو يسمعها ويفهما ((ميكافيلليو)) العراق الجديد من اللاهثين خلف المناصب لغيروا من وضعهم ولو قصها الآباء لأبنائهم لأخرجوا جيلا صالحا يعرف كيف يبني مستقبله.
يحكى أنه كانت هناك في زمن ما بطة وكان هناك ثور, كانت البطة تتحدث مع الثور فقالت له, ليتني استطيع بلوغ أعلى هذه الصخرة.
ولم لا؟ (أجاب الثور) يمكنني أن أضع لكِ بعض الروث حتى تساعدك على الصعود. وهكذا كان في اليوم الأول ،سكب الثور روثه بجوار الصخرة فتمكنت البطة من بلوغ ثلثها. وفي اليوم الثاني، حثا الثور روثه في نفس المكان فاستطاعت البطة الوصول لثلثي الصخرة. وفي اليوم الثالث كانت كومة الروث قد حاذت قمة الصخرة. سارعت البطة للصعود، وما أن وضعت قدمها على قمة الصخرة حتى شاهدها صيادٌ فأرداها. والمغزى واضح لمن يفهم الأمور, أما من لا يفهمها "فالقذارة يمكن أن تصعد بك إلى الأعلى ولكنها لن تبقيك طويلاً هناك".