ثقافة
أصول الخمط بالتضمين: ولكي نقارب مستوى الغنى الفاحش عهد ذاك "حوالي القرنين الثاني والثالث الهجريين"، نعلم، مثلا، أن الثري يعقوب بن الليث الصفاري ترك في بيت ماله بعد موته خمسين مليون درهم ومليون دينار، وتلك كانت ثروة هائلة آنذاك. وكان الخلفاء يوزعون الخدمات العامة كالبريد وضرائب الخراج وغيره بطريقة التضمين " الضمان" والاحتكار وهذه النظام الاستثماري ما يزال قائما في العراق حتى اليوم وخصوصا في تضمين "علوات = أسواق" الخضار والسمك والحمامات من أملاك الأوقاف أو البلديات...الخ. وقد كرس ضعف الدولة نظام "التضمين" إذ لجأ الكثير من الولاة والقادة إلى ضمان الأراضي من الخليفة (المالك الفعلي لخيرات البلدان وخصوصا العراق الذي كان يوصف ببستان قريش وبلاد فارس وارمينيا وإذربيجان وأفريقية "تونس الحالية" وبلاد المغرب...الخ) فيوافق الخليفة على إقرارهم على ما تضمنوا وكان ما يقدمه الولاة أقل بكثير من خراج ما يستولون عليه ففي سنة 296 هـ ضمن ابن أبي الساج أرمينيا وإذربيجان مقابل 120 ألف دينار أي ما يعادل عشر دخلها تقريبا والذي بلغ في عهد المأمون 17 مليون درهم. وكان العسكريون يحصلون على أرباح طائلة من المدنيين. ويذكر ابن الجوزي أن الوزير حامد بن العباس ( قاتل الشهيد الحلاج) أهدى بستاناً بعد أن أنفق عليه ألف دينار ذهبي.
وفي حين تذكر مصادر التراث (كقوت القلوب لأبي طالب المكي مثلا) أن النبي العربي الكريم اشترى ثوبا بأربعة دراهم وسراويل بثلاثة دراهم وقومت ثياب التابعي سفيان الثوري ونعلاه بدرهم وأربعة دوانيق فأن ما حدث لاحقا أي القرن الثالث الهجري كان عجيبا: يروى أن كساء الطبري كان يساوي 400 أربعمائة درهم، وسُرِقَ ثوبان لمحمد بن طاهر قيمتهما 1500 ألف وخمسمائة دينار ذهب، وكان ثمن كفن الخليفة المعتضد 16 قيرطا ذهبا... يتبع، عن مظاهر الصراع الطبقي سراويل الخز قريبا.
الصورة : تمثال برونزي نادر جدا للخليفة العباسي هارون الرشيد وهو عبارة عن قطعة شطرنج، عثر عليه في إقليم خراسان ويعود – كما يرجح كاتب النص الفرنسي الذي احتوى هذه الصورة وقد عثرت عليها مصادفة خلال بحثي عن صور من ذلك العهد - يعود لسنة 850 ميلادي تقريبا (توفي الرشيد في 805 م) وهو بأبعاد 8.6 × 3.4 سنتمتر نص باللغة الفرنسية في خلال بحثي عن صور من ذلك العهد. يصف الكاتب التمثال كالتالي: يرتدي - الخليفة الرشيد - عمامة كبيرة الحجم إلى حد بعيد، بوجه ملتحي ، يرتدي رداء طويلا يغطي ذراعيه إلى المعصمين . وقد ثنى يديه على ركبتيه في هيئة المفكر. يتميز لباسه بكثرة الطيات والثنيات على الجزء الخلفي وتزين عمامته شراشيب وخطوط تتمركز حول القمة. التمثال مصبوب من البرونز في جزأين وهو يُعلق حول محيط الكتلة أو الجسم من الأمام. داخل التمثال أجوف. المؤسف أن الكاتب لم يذكر مكان وجود هذا التمثال في الوقت الحاضر وأرجح ان يكون موجودا في متحف اللوفر.