ثقافة

بغدادالعباسية: "الشبكة الاجتماعية" 4 دراهم شهريا للفقراء (6)

بغدادالعباسية: "الشبكة الاجتماعية" 4 دراهم شهريا للفقراء (6)

علاء اللامي

  وجد الفقر في بغداد منذ بنائها فقد شوهد الشحاذون المكادي والمعاقون يطلبون الصدقة على الجسر في عهد مؤسسها أبي جعفر، الذي كان يمر عليهم بنفسه ويفرق عليهم بعض المال ثم خصص واليا على " الأضراء" ولكن الوالي قطع عنهم الأرزاق - كما فعل قبل أيام وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكم المحاصصة الطائفية في عراق اليوم حين شطبوا الفقراء والمعوقين وذوي الحاجات الخاصة من شبكة الرعاية الاجتماعية. ع ل- فتوسط لهم أبو جعفر الرازي وشكاه الى الخليفة فعزله وأوكل لهم – للفقراء والأضراء – ان يختاروا ممن يحبون واليا. أمسى الفقر ظاهرة اجتماعية مستمرة في المجتمع البغدادي عالجها الأدباء فقال شاعر منهم هو الحمدوني:   مَنْ كانَ في الدنيا لهُ شارةٌ.... وَنحنُ مِنْ نظارةِ الدُّنيا   نرمقُها مِنْ كَثَبٍ حَسْرَةً.... كأننا لفظٌ بلا مَعنى.   وترك لنا أبو حيان التوحيدي نثرا كثيرا عن الفقر والفقراء وهو نفسه كان فقيرا معدما كتب ذات مرة أنه اضطر إلى العيش على أكل الخضر والأعشاب في البيداء، وكان أبو سليمان المنطقي (الفيلسوف والأديب والشاعر والموسوعي في الطب) فقيرا عاجزا عن تدبير أجرة سكنه ووجبة طعامه. أما الفيلسوف أبو بكر القومسي فقد عانى من الضرِّ والفاقة وكابد الشدة حتى لبس الأطمار البالية كما يخبرنا صاحب "معجم البلدان"، ومثله كان المؤرخ والجغرافي العظيم وصاحب نظرية "الانحراف الوراثي في الحمضيات" أبو الحسن المسعودي الذي لقب بهيرودتس العرب، وهو صاحب الكتاب الجغرافي الشهير "مروج الذهب ومعادن الجوهر" متواضع الحال كثير الترحال - أمضى ربع قرن من حياته في الرحلات العلمية خارج العراق وكان كثير الحنين إلى بلده وهو من موليد بابل وقيل من بغداد أيضا - وقد وصف لنا بيت زميله الأصمعي الفقير هو الآخر بالقول (كان فيه خب مكسور – أرجح أن يكون المقصود "حِبّ" بكسر الحاء، وهو الوعاء الفخاري الكبير لتبريد وحفظ ماء الشرب وربما وقع تصحيف في الكلمة. ع ل) ومقعد وسخ وكان كل شيء في بيته رثا) غير أن هذا لا يعني أن جميع العلماء والأدباء كانوا فقراء معدمين بل كان منهم الأغنياء وأصحاب الإقطاعيات والعقارات وكان بعضهم من خاصة ومدللي الدولة وندماء الخليفة والوزراء. وكان المُكدون (كلمة مُكدي وكُدية فصحى " كدية: استعطاء، حرفة الشحاذ." وماتزال تلفظ بالجيم أو الجيم القاهرية في العراق وتعني الشحاذ والسائل وأرجح أن جذرها هو "ك د د" ع ل) وهم يتخذون هيئة وزيا خاصين للكدية تسمى "الهيئة الخراسانية". وكانت جراية الفقير (مخصصات إعانة) من الدولة في عهد الوزير ابن الفرات خمسة دراهم في الشهر.   وكان طعام الفقراء يتألف من خبز الشعير وربيثة "أدام من صغار السمك المملح يشبه السمك الفسيخ في مصر ع ل" وبقل وكراث وخبز وقطعة من الجبن أو الباذنجان أو من الخس والكرفس والقنبيط " القرنابيط". وكان لحم البقر أسمى ما يطمح إليه الفقراء وكانوا يأكلون بطون البقر القاسية ويستهلكون الكثير من الحبوب من أرز وماش وعدس ولوبياء. ولم يكن الفقراء يعرفون الحلوى (عهد ذاك كان تقديم التحلية بعد الطعام يعد جزءا من وجبة الغذاء لدى الأغنياء، وذات مرة قدم الطعام لأحد الخلفاء وكان مسافرا على سفينة في دجلة ولم يقدموا له الحلوى بعد الطعام فتعجب وقال: هذه أول مرة أعلم فيها ان هناك من الناس من يتغدى دون تحلية!) بل كانت حلوى الفقراء من عصيدة التمر وفاكهتهم من مشمش مقدد "قمر الدين" وزبيب أسود وسمسم مقلو وباقلاء منفوخة وقد جابه الفقراء واقعهم البائس باللجوء إلى اللصوصية والكدية والتطفيل والاحتيال والنصب.. الخ، كما كان من وسائلهم اللجوء الى التحرك الشعبي/ ص 310/ العامة في بغداد.  

مقالات أخرى للكاتب