أعمدة رئيسية
قد تخدع حروف الكلمة الأولى، لأول وهلة، من يمر على هذه الكلمات، فيظن أنني سأتناول في حديثي أموراً تخص الكتاب المقدس، لا، بل سأتناول ظاهرة اجتماعية - نفسية، أجد أن من الواجب تشخيصها بدقة، خاصة أنها تنتشر بشكل واسع إلى حد ما على الفيسبوك. هذه الظاهرة، تكشف عن جانب مأساوي، مؤلم، وخطير، في نفوس بعض كتّابنا، ممن يحظون بتقدير كبير وجمهور عريض من المتابعين في العالم الافتراضي، لا بل أن ما يكتبه بعضهم قد يحظى بانتشار أسرع مما لو نشر في صحيفة ورقية أو موقع اليكتروني للآراء، نظرا لسرعة تناقل المادة المكتوبة، عبر مشاركتها من قبل المتفاعلين معها، وما ينتج عنه من إعجاب أو عدم إعجاب الجمهور بها.
حتى الآن، لا شيء غير اعتيادي، وما ذكرته أعلاه، ليس سوى أمر طبيعي جدا، ومتوقع في صفحات الكتاب والمفكرين والإعلاميين الذين يعرضون بضاعتهم الفكرية على الناس، سعيا إلى تكوين رأي عام، أو تصحيح وجهة نظر، أو كشف ما كان غامضا من الأحداث، أين المشكلة إذا؟!
المشكلة تكمن في ما يمكن أن يطلق عليه (القطيعة الاختيارية)، هذه القطيعة التي يلزم الكاتب بها نفسه، ليحافظ من خلالها على هالة القدسية التي تعلو رأسه، فتعصمه القطيعة ربما من الانزلاق إلى مستوى محدثيه الذين يظنهم أقل منه شأنا ربما، أو أنهم يتحدثون فيما لا يعلمون أو يدركون، أو أنهم يعوقون أفكاره من التقدم والتطور، وامتلاك الحقائق المطلقة التي لا يدركها الباطل من كل الاتجاهات!!
أراقب دوماً ما يكتبه البعض، وأنظر إلى حجم التفاعل الكبير معه، واغتبط أن هناك جمهوراً ينتظر يومياً ما ينتجه هؤلاء الكتّاب، وهو أمر جيد طبعاً، ويبعث على الارتياح، إلا أن الأمر الصادم هنا، أن المشاركات لهذه المواضيع قد تتجاور حاجز المائة مشاركة، والتعليقات عليها قد تتجاوز حاجز الـ400 أو 500 تعليق، وهذه التعليقات تتنوع طبعا تبعا لكاتبيها، فهناك من يؤيد ما طرحه الكاتب، وهناك من يناقش الأفكار سعيا إلى اغنائها أكثر، وهناك من يرفض، وهناك من يشكك بصحة وصدق المعلومات الواردة في متن المقال أو البوست، وغير هؤلاء كثيرون، كل هذا، من دون أن يصدر من الكاتب أي نأمة، وكأنه يلقي بشاردته ويخلد الى النوم، ليسهر الناس ويختصمون ويتخاصمون بعيدا عن ذهنه الخالي من مكان لهم.
هنا، قد يقول البعض، إن على الكاتب أن يلقي بضاعته بين الناس، وإن عليهم أن يتلقفوها، وما يصدر عنه، لم يعد ملكا له، لكن، قد يصح هذا الأمر إلى حد ما مع كثير من المبدعين والمفكرين والفلاسفة، ولكن ليس مع كاتب رأي في عالم افتراضي وموقع تواصل اجتماعي يتطلب ممن يلج فيه أن يكون إنسانا يأخذ ويعطي. هذا الموقع ليس بديلاً عن وسائل إعلام، بل هو أشبه ما يكون بمحطة للقاء الأفكار والتحاور وتبادل الرأي.. لكن بعض كتابنا، وللأسف، حتى الآن، لا يدركون، لجهل متعمد ربما، أن عليهم أن يتخطوا قليلا حواجز القدسية التي يحيطون بها أنفسهم، ليكون بعدها ما يصدر عنهم، واقعيا وحقيقيا وجميلا كما صورهم التي تزين صفحاتهم.