أعمدة رئيسية
كان صراخ الحيوانات النادرة، وأصوات الباعة يصك الاسماع في سوق الغزل البغدادي الشهير. كان الوقت نهارا، صيف 2005. قلت لنفسي: اشتري لي حيواناً يؤنس وحدتي في بلاد حزني وغربتي.. في بلادي. رأيت بعيراً صغيراً وردي اللون في مثل حجم الضربان، وهذا الأخير، لمن لا يعلم، هو دابة ترعى المقابر فويق الجرذ ودوين السمور. كان ثمة ورقة ملصقة على سنام البعير، مكتوب عليها عمر ومواصفات البعير، واسمه: ركاص الأعراس، اي الراقص في اعراس الناس لقاء ماعون من هريسة ونحوها.
دفعت ثمنه من راتبي البسيط، وحملته معي في كيس نايلون.
وفي مطعم شهير لبيع الباقلاء بالدهن، استعرض البعير الرقيق مهاراته على رؤوس الأشهاد، حيث رقص، لقاء طعامه، الباليه. فأسر قلوباً مكلومة، وأضحك أفواهاً قاسية.
عدت من المطعم الشهير إلى سوق الغزل. وهناك، رأيت نسناسا، على جبينه ورقة مكتوب عليها: مضيحجة المعزايات، أي مضحك الحزينات من عوانس وأرامل ونادبات. فقلت في نفسي: هل يكسرُ العرقَ القوي إلا الماء؟ بعير راقص، وقرد بكاء. واشتريت القرد بثمن بخس دراهم معدودات.
في منتصف الطريق الى البيت انفجر اطار من اطارات الباص، فبكيا - بعيري وقردي - من شدة الحر العراقي. كما أُعلن، في الوقت نفسه، فشل الحكومة في القبض على عزت الدوري، فابتهج البعير وردح! وأبكى كل من ابتلاهم الله بركوب الباص.
وصلت المنزل بعد بكاء وردح عظيمين. ما ان وطأت بقدمي اليسرى عتبة المنزل، حتى غطت جدتي وجهها، وعاطت بي من وراء (شيلتها): جده ليش تجيب علينا ناس اغراب؟ قلت: جده ما معي احد. فقالت: بعيرك وقردك هذول جانو زلم بس ربك انتقم منهم!!
في الساعة العاشرة من مساء اليوم نفسه، جيء بالسيد عبد السادة اسيود سوادي الموسوي، فاستعاذ، لما رآهما، من غضب الله وشدة سخطه. ما إن قرأ السيد آيات بينات، حتى انهار القرد كالمصروع على كاشي الدار. أما البعير فقد بكى بصوت طفل رضيع، فأبكى، والله، كل من كانوا في الدار، فما إن صمت السيد عن تلاوته، حتى نهض النسناس الشيطاني بعضو منتصب كراية سوداء وهجم على السيد، يريد فعل الفعلة الفعلاء به، ولكن (صخريتي) أوقفته عند حده.
بصق السيد في فميّ القرد والبعير ورمى عليهما سائلا أخضرَ اللون من قنينة كانت معه. ثم انه صرخ في وجهيهما صرخة عظيمة: عودا إلى ما كنتما عليه من بشرية. فذابا معا على كاشي الدار، وتشكلت من ذوبانهما المشترك بركة موحلة مخضرة اللون. فاستغثنا ساعتها، والله، وتمرعدنا. ثم ان السيد أخرج من تحت عقاله العلوي الأخضر اللون عصا غليظة مزخرفة بتعاويذ سريانية غامضة. رفع عصاه إلى السماء وصرخ بصوته الملائي الجهوري: بسم اهلم كان، وباسمه يكون، وبط البركة الموحلة بطا علوياً عزيزاً، فانشقت البركة الملعونة عن ثلاثة أفندية، قائمين على أقدامهم، وفي يمين ويسار كل واحد منهم كاس عرق وصحن باقلاء، وهم يترنحون من السكر ترنحا طرِباً. تريعوا، لا بارك الله فيهم، سوية ودفعة واحدة، فكاد أن يغمى على كل من كانوا في الدار. ولدهشتي، كان الثلاثة هم: عزت الدوري وعبد الرزاق عبد الواحد، والثالث لم أتعرفه إلا بعد تقليب كل ما في ذاكرتي من وجوه وأسماء: إنه جسد حميد سعيد وقد ركب الله بين كتفيه رأس سامي مهدي بصلعته الشهيرة المغسولة بزيت خروع رديء، والمكفوخة، كفخة أبدية، بالشمس.
لم يكونوا شجعانا، برغم ما أشيع، أو أشاعوه عن أنفسهم من ردح رخيص كاذب حول شجاعتهم ونضالهم المزعومين. فبعد جولة تحقيقية واحدة، حضرها الأستاذ أبو تحسين بنعاله الشهير، كشفوا لنا كل ما كنا نعرفه عنهم، ومؤداه: انهم يجهلون ما هم فيه من تحولات اوفيدية. وان كل ما يتذكرونه، انهم اجتمعوا الثلاثة معا في بار من بارات عمان، جمعتهم ولفيف من أدباء وأمراء الصلخ والذبح، هناك. وما هي إلا أن سكر الجوق المؤمن، حتى دهمتهم صيحة عظيمة من السماء، فمسختهم، فأصبحوا خاسئين.
الأسئلة التي لم تفلح حيل نعال أبو تحسين، في استدراجهم إلى الإجابة عنها هي: ما الذي حل برأس حميد سعيد الحنيذ وجسد سامي مهدي؟ من أوصلهم سوق الغزل؟ وهل تم بيعهم في الساحة الهاشمية لهاو عراقي من هواة جمع الحيوانات الذكية والنادرة؟ وماذا عن البقية الباقية من أفراد الجوق المؤمن، من سكارى الحانة الأردنية، هل مُسخوا هم أيضا في تلك الليلة الليلاء.. ليلة المسوخ العظيمة؟ أما السؤال الذي أفلحنا في العثور على إجابة شافية عليه، فهو المتعلق بهوية كل ممسوخ منهم: فقد تعاورهم السيد وأبو تحسين وجدتي (ام رشك)، وبكل ما في أيديهم الكريمة من كيوات ونعل وعصي، في غرفة مقفلة، فانهار ركاص الأعراس، وهو من هو في عالم التحمل، أولاً، ولم ينهر القرد، بل ظل قويا عزيزا مرفوع الهامة. عندها، تأكد لنا أن القرد هو عبد الرزاق عبد الواحد نفسه، المشعول الصفحة حيا وميتا إلى يوم الدين.
التساؤلات كثيرة، معقدة، وخطيرة! فهل من معين على إيضاح ما غمض من ليلة المسوخ العظيمة تلك؟ 2008
وفي مطعم شهير لبيع الباقلاء بالدهن، استعرض البعير الرقيق مهاراته على رؤوس الأشهاد، حيث رقص، لقاء طعامه، الباليه. فأسر قلوباً مكلومة، وأضحك أفواهاً قاسية.
عدت من المطعم الشهير إلى سوق الغزل. وهناك، رأيت نسناسا، على جبينه ورقة مكتوب عليها: مضيحجة المعزايات، أي مضحك الحزينات من عوانس وأرامل ونادبات. فقلت في نفسي: هل يكسرُ العرقَ القوي إلا الماء؟ بعير راقص، وقرد بكاء. واشتريت القرد بثمن بخس دراهم معدودات.
في منتصف الطريق الى البيت انفجر اطار من اطارات الباص، فبكيا - بعيري وقردي - من شدة الحر العراقي. كما أُعلن، في الوقت نفسه، فشل الحكومة في القبض على عزت الدوري، فابتهج البعير وردح! وأبكى كل من ابتلاهم الله بركوب الباص.
وصلت المنزل بعد بكاء وردح عظيمين. ما ان وطأت بقدمي اليسرى عتبة المنزل، حتى غطت جدتي وجهها، وعاطت بي من وراء (شيلتها): جده ليش تجيب علينا ناس اغراب؟ قلت: جده ما معي احد. فقالت: بعيرك وقردك هذول جانو زلم بس ربك انتقم منهم!!
في الساعة العاشرة من مساء اليوم نفسه، جيء بالسيد عبد السادة اسيود سوادي الموسوي، فاستعاذ، لما رآهما، من غضب الله وشدة سخطه. ما إن قرأ السيد آيات بينات، حتى انهار القرد كالمصروع على كاشي الدار. أما البعير فقد بكى بصوت طفل رضيع، فأبكى، والله، كل من كانوا في الدار، فما إن صمت السيد عن تلاوته، حتى نهض النسناس الشيطاني بعضو منتصب كراية سوداء وهجم على السيد، يريد فعل الفعلة الفعلاء به، ولكن (صخريتي) أوقفته عند حده.
بصق السيد في فميّ القرد والبعير ورمى عليهما سائلا أخضرَ اللون من قنينة كانت معه. ثم انه صرخ في وجهيهما صرخة عظيمة: عودا إلى ما كنتما عليه من بشرية. فذابا معا على كاشي الدار، وتشكلت من ذوبانهما المشترك بركة موحلة مخضرة اللون. فاستغثنا ساعتها، والله، وتمرعدنا. ثم ان السيد أخرج من تحت عقاله العلوي الأخضر اللون عصا غليظة مزخرفة بتعاويذ سريانية غامضة. رفع عصاه إلى السماء وصرخ بصوته الملائي الجهوري: بسم اهلم كان، وباسمه يكون، وبط البركة الموحلة بطا علوياً عزيزاً، فانشقت البركة الملعونة عن ثلاثة أفندية، قائمين على أقدامهم، وفي يمين ويسار كل واحد منهم كاس عرق وصحن باقلاء، وهم يترنحون من السكر ترنحا طرِباً. تريعوا، لا بارك الله فيهم، سوية ودفعة واحدة، فكاد أن يغمى على كل من كانوا في الدار. ولدهشتي، كان الثلاثة هم: عزت الدوري وعبد الرزاق عبد الواحد، والثالث لم أتعرفه إلا بعد تقليب كل ما في ذاكرتي من وجوه وأسماء: إنه جسد حميد سعيد وقد ركب الله بين كتفيه رأس سامي مهدي بصلعته الشهيرة المغسولة بزيت خروع رديء، والمكفوخة، كفخة أبدية، بالشمس.
لم يكونوا شجعانا، برغم ما أشيع، أو أشاعوه عن أنفسهم من ردح رخيص كاذب حول شجاعتهم ونضالهم المزعومين. فبعد جولة تحقيقية واحدة، حضرها الأستاذ أبو تحسين بنعاله الشهير، كشفوا لنا كل ما كنا نعرفه عنهم، ومؤداه: انهم يجهلون ما هم فيه من تحولات اوفيدية. وان كل ما يتذكرونه، انهم اجتمعوا الثلاثة معا في بار من بارات عمان، جمعتهم ولفيف من أدباء وأمراء الصلخ والذبح، هناك. وما هي إلا أن سكر الجوق المؤمن، حتى دهمتهم صيحة عظيمة من السماء، فمسختهم، فأصبحوا خاسئين.
الأسئلة التي لم تفلح حيل نعال أبو تحسين، في استدراجهم إلى الإجابة عنها هي: ما الذي حل برأس حميد سعيد الحنيذ وجسد سامي مهدي؟ من أوصلهم سوق الغزل؟ وهل تم بيعهم في الساحة الهاشمية لهاو عراقي من هواة جمع الحيوانات الذكية والنادرة؟ وماذا عن البقية الباقية من أفراد الجوق المؤمن، من سكارى الحانة الأردنية، هل مُسخوا هم أيضا في تلك الليلة الليلاء.. ليلة المسوخ العظيمة؟ أما السؤال الذي أفلحنا في العثور على إجابة شافية عليه، فهو المتعلق بهوية كل ممسوخ منهم: فقد تعاورهم السيد وأبو تحسين وجدتي (ام رشك)، وبكل ما في أيديهم الكريمة من كيوات ونعل وعصي، في غرفة مقفلة، فانهار ركاص الأعراس، وهو من هو في عالم التحمل، أولاً، ولم ينهر القرد، بل ظل قويا عزيزا مرفوع الهامة. عندها، تأكد لنا أن القرد هو عبد الرزاق عبد الواحد نفسه، المشعول الصفحة حيا وميتا إلى يوم الدين.
التساؤلات كثيرة، معقدة، وخطيرة! فهل من معين على إيضاح ما غمض من ليلة المسوخ العظيمة تلك؟ 2008