رأي

الصمت لا دين له

الصمت لا دين له

د. فراس مصطفى

  بعد ثماني دقائق فقط من واقعة جسر لندن الإرهابية قتلت الشرطة ثلاثة إرهابيين مسلحين وملغمين وسيطرت على الوضع بالكامل خلال دقائق ولم تهدأ كل أجهزة المملكة المتحدة من رئاسة الحكومة إلى اصغر رتبة في الشرطة حتى جمعت كل خيوط الجريمة خلال ساعات وسوف لن تكتفي عند هذا الحد بل ستنبش البئر بإبرة وستستجوب العصافير والطيور التي تمر من فوق بيوت الإرهابيين وستصل إلى جحور النمل الذي يسكن تحت بيوتهم وسوف لن تنجو من التحقيق حتى دودة الأرض التي تعيش في حدائقهم.   رغم أن عدد من سقط في الحادث لا يتجاوز السبعة قتلى وعدة عشرات من الجرحى ورغم أن هذا الحادث هو الرابع في لندن خلال عقد من الزمن لكنه هز كيان المملكة وأنطق حتى الأبكم عندهم.   الأمن والأمان يتربعان فوق قمة الأولويات الحكومية لتلك البلدان وهما الهاجس الأول والأخير لكل من يفكر بتصدر سدة الحكم ومن ثم تتسلسل بقية الاعتبارات فلا اقتصاد مزدهر دون الأمن والأمان ولا سياحة واعدة دونهما ولا تعليم ولا صحة ولا و لا و لا حتى أخر القائمة دون تحقيق الأمن والأمان.   أما في بلدنا ففي يوم واحد يسقط مئات الأشخاص بين قتيل وجريح ويستمر مسلسل العنف اللامنتهي دون أن تجد من يأبه لذلك أو يعير الاهتمام وإن كلف مسؤول نفسه وصرح فانه سيترك الأمر للقضاء والقدر أو سيتهم غريمه السياسي بالفعلة وسيقيد الموضوع في ذمة داعش؟ فهو الشماعة الذهبية لتعليق كل الهفوات والفشل المزمن الذي تعاني منه أجهزة الدولة برمتها هذا إن استطعنا أن نسميها أجهزة.   عشرات الآلاف من أفراد الأمن وبشتى المسميات ورتب تتزاحم فوق الأكتاف حتى تكاد تسقط لأنها لا تشعر بالاستقرار على أكتاف أناس لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد سوى إنهم صائمون مصلون مسبحون بالأسحار سيماهم في وجوهم من أثر السجود لكنهم لم يغيروا المنكر حتى بقلوبهم وذلك أضعف الإيمان.   أبو الهول سأم الصمت وهم لا يسأمون, لا تخرج أصواتهم الشاذة إلا في وقت الانتخابات فكلهم يتحولون الى غربان تخرق أصوات نعيبهم حاجز الصمت وسرعان ما تخبو كما تخبو النار تحت الرماد, إن اجتمعوا تحت قبة البرلمان أو في وسائل الإعلام فإنهم يتقاذفون الشتائم بأعلى أصواتهم على بعضهم البعض، ولكنهم لا يكلفوا أنفسهم بالحديث عما يجري, في أذانهم وقر لصراخ الشعب وأنينه تحت وطأة الموت, لم تحرك أسماعهم أصوات الأمهات الثكلى وصرخات اليتامى ونحيب الأرامل لكن أصوات العقود والصفقات تحرك عندهم كل الحواس, يسمعون دبيب النمل إن كان يحمل لهم مكسبا لكنهم لا يسمعون أصوات التفجيرات اليومية.   الصمت لا دين له ولا رب ولو كان الله يرضى بالصمت لما أرسل أنبيائه ورسله ولما كلم موسى ولبى دعوة عيسى, متى سينطق خلفاء الله في الأرض ومتى سيعلمون أن الصمت كفر وأن كسر الصمت هو قمة الأيمان, وأن صوت الشعب سوف يكسر رؤوسهم مثلما تكسر المعاول الحجر, فلا بد يوما أن يستجيب له القدر.

مقالات أخرى للكاتب