رأي
اتخذ الكورد قرارهم الحاسم الذي لا رجعة فيه في الاستفتاء على استقلال الإقليم عن الوسط والجنوب و قد صرحت القيادة الكردية بأن القرار ساري المفعول وفي موعده دون أية فكرة للعودة أو التراجع وهذا يعني أن نتيجة الاستفتاء قد حسمت مقدما لصالح الانفصال سيما وأن المنطق يقول أنه لا يوجد كردي يطمح في بقاء الإقليم تحت سلطة وسيطرة حكومة العراق المركزية.
مهما سيكتب أو سيناقش أو سيطرح من رأي حول هذا الموضوع عبر وسائل الإعلام وفي أي محفل كان فلا جدوى منه لأنه لا احد يستطيع اليوم أن يثنيهم عما عقدوا عليه العزم, لذلك سأكتفي بتحليل الموقف عبر مجموعة من الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة, هل الوقت والوضع الداخلي مناسب للانفصال؟ وهل الوضع الأمني الإقليمي يسمح بالانفصال؟ وهل الوضع الاقتصادي يسمح بالانفصال؟ وهل سيعترف المجتمع الدولي بالدولة الجديدة؟
في رأيي أن الوقت غير مناسب إطلاقا لمثل هذا الإجراء المعقد, فالوضع الداخلي أي الكردي- الكردي يعاني من التفكك رغم أنه يوحي بالتماسك و مازال يخفي نارا حارقة تحت رماد خفيف, فالخلافات بين الفصائل الكردية الكبرى عادت إلى الواجهة مرة أخرى حين بدأت قيادة الإقليم بتصدير النفط إلى الخارج دون أن تكشف عن حجم العائدات و مآلها, وغياب الطالباني لمرضه وموت نو شيروان لا يعنيان أبدا أن الساحة أصبحت خالية للبارزانيين فهناك ألف طالباني طامح في السلطة والثروة والجاه وألف نوشيرواني يطمح في التغيير الذي يصب في مصب الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها, وأي سلطة؟ السلطة العقيمة التي لو نازع الولد أباه عليها لقطع رأسه, فكيف بتيارات متناحرة منذ أجيال؟ تيارات تحمل ولاءات متعددة شغلها الشاغل اليوم هو تأمين حصتها من النفط الذي ضاعت وارداته في جيوب لن تتنازل عنها بسهولة.
لا يختلف اثنان على خطورة الوضع الإقليمي المحيط بالإقليم, فإيران وتركيا سوف لن تسكتا لبروز عضو جديد تنظران له نظرة الريبة والشك و سوف لن يرضيهما ظهور دولة كردية محمية دوليا وفقا للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية لتكون بؤرة خطرة مهددة لاستقرارهما سيما وأنهما تتعاملان مع أكرادهما بالحديد والنار, هذا من جهة , ومن جهة أخرى فإنها ستكون عينا أمريكية تتجسس عليها لتحد من تطلعاتهما المرسومة بدقة, ناهيك عن فتح شهية أكرادهما للمضي بنفس الخطى التي خطاها أخوانهم من كورد العراق وهنا ستكون الدولة الكردية الجديدة بمثابة رأس الأفعى الواجب قطعه لمنع الذيل من الحركة؟ فهل ستستطيع الدولة الجديدة حماية نفسها من الحيتان التي لا تتوانى ولا تتردد في ابتلاعها في أية لحظة؟ هذا لو سلمنا بعدم وجود مليشيات عراقية قوية ومدعومة عسكريا وماليا تنامت بشكل متسارع بعد ظهور داعش تحركها الجارة إيران ولها القدرة على اجتياح الإقليم وزعزعة أمنه في نصف ساعة دون أن تتهم الأخيرة بالموضوع.
إن العوامل الكلاسيكية لتأسيس الدولة في منظور القانون الدولي هي أربع, الأرض والشعب والحكومة الشرعية المنتخبة من قبل الشعب والاعتراف الدولي, لكن تطور الحياة وتقدمها وتعقيداتها أفرز في رأيي عاملا جديدا لا يقل أهمية عن العوامل الأربعة الأخرى وهو العامل الاقتصادي, وهو الأهم من بين العوامل الاخرى, فالكورد يراهنون على النفط المكتشف حديثا في كردستان ونفط كركوك مازال صعب المنال وإن احتلوا كركوك والبحوث تشير الى أن نفطهم غير اقتصادي في الاستخراج وأنه سينفد بثلاثة أو أربعة عقود على الأغلب؟ فماذا سيصنع البلد الجديد الذي لا يمتلك أراضي زراعية خصبة وأن معظم أراضيه جبلية وعرة ولا يمتلك صناعة ولن يمتلكها في ظل الصراع السلطوي المزمن بين الفصائل الكبرى وليس له منفذ بحري ومحاصر بتضاريس طبيعية معظمها سلاسل جبلية إيرانية وتركية ولا يمتلك موارد طبيعية كافية لسد حاجته.
أما الاعتراف الدولي, فلحد هذه اللحظة لا يوجد اعتراف دولي رسمي صريح بالدولة الجديدة بما فيها الحلفاء الأقوياء كالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل و إن كانت هناك تصريحات بمباركة الانفصال فهي ليست سوى تصريحات وتغريدات افتراضية فردية لا تشكل أهمية على الصعيد الدولي, فالكورد اليوم سعداء لأن زعيم إقليم كتالونيا الاسباني قد أعاد نشر تغريدة للبارزاني في الاستفتاء حول الانفصال مرتين على موقعه مفسرين ذلك بالاعتراف؟ وأن برنارد ليفي قد بارك الانفصال متناسين أن هذا الرجل بالذات أينما حل تحل المصائب بعده؟ أما باقي التصريحات فلم تكن سوى تصريحات دبلوماسية من باب المجاملة.
إن هذا الانفصال لا شك سيضر بمصلحة الشعب الكردي الحالم, ولو فكر الشعب الكردي وقادته مليا وبمعزل عن العاطفة لوجدوا أن العمل على تقوية بلد يعيشون في ظله خير من التشرذم والتعرض لخطر الضياع والابتزاز الدولي القذر وخير دليل على ذلك ما حصل لدولة قطر من إخوتها في القومية والدين والدم وما حصل لجنوب السودان من مآسي وحروب أهلية جعلتهم يلعنون اليوم الأسود الذي استقلوا فيه عن الدولة الأم, أما بغداد فستكون المستفيد الأول من هذا الانفصال بالتحرر من الالتزامات المالية لإقليم لم تستفد منه فلسا أحمرا وسوف توفر للعرب آلاف المناصب والوظائف والفرص التي يستغلها الكورد حاليا وسيكون ال ((كورديكسيت)) فاتحة خير على بلد يعاني من مشاكل مزمنة مع إقليم لا يجلب له سوى المتاعب.