رأي
طيلة الأيام الماضية ينظم مئات العاملين ممن تم تسريحهم من بلدية البصرة فعاليات احتجاجية بأماكن مختلفة وأساليب متعددة تعبّر عن غضبهم العارم من ذلك القرار المجحف. أضرمت النيران في الشوارع، وقطعت الطرق وما زالت النار تسري في الهشيم وربما تنذر بما لا يحمد عقباه. ما زالت الأمور غير خارجة عن السيطرة، ولكن لا أحد يعلم ما تخبئه الأيام المقبلة في البصرة، خصوصا مع هذا التجاهل الغريب الذي أبدته الجهات المحلية في المحافظة تجاه هذه الأزمة الكبيرة.
نعم هناك مشكلة اقتصادية يعاني منها العراق لا يمكن انكار ذلك، لكن ليس من الانصاف أن يوضع في أولويات سياسة التقشف التي تعلنها الدولة استهداف الطبقات المحرومة. هؤلاء العاملون يعتمدون بشكل كلي في عيشهم على أجورهم اليومية، والدولة بتلك الطريقة الغريبة تحكم عليهم بالموت البطيء.
لقد ترك العامل العراقي يواجه مصيره دون ان تتكفل بالدفاع عنه مؤسسات نقابية او حتى مؤسسات رسمية تابعة للدولة، ومع هذا الاحتقان الموجود في الشارع فان جميع الخيارات مفتوحة. لقد شعرت تلك الشريحة بظلم كبير، انها تعاني من الاحتقان المتراكم مع تفاوت طبقي مخيف في المجتمع العراقي، خصوصا بين المسؤولين في الوزارات وبقية الأجهزة التنفيذية أو التشريعية الاتحادية والمحلية، وبين الشرائح التي تعيش على الهامش.
هناك ممارسات غير مقبولة بدرت من المتظاهرين مثل تهديدهم بتصعيد الموقف، ولكن من جهة أخرى علينا ان نكون منصفين أيضا؛ كيف يتفهم العامل المحروم في البصرة تسريحه تحت ذريعة فراغ خزينة الدولة، فيما يتم تحويل مليارات الدولارات إلى رقعة جغرافية أخرى من العراق في يومين فقط؟! كيف يتفهم أن الذهب الأسود يجري تحت قدميه فيما يحرمه الآخرون حتى لقمة العيش؟!
البصرة لها على العراق من الفضل ما يتجاوز فضل جميع المحافظات الأخرى، والبصريون بالوضع البائس الذي يعانون منه لا يعبر عن مأساتهم إلا ما قاله دعبل في يوم من الايام: (أرى فيئهم في غيرهم متقسّما * وأيديهم من فيئهم صفرات).
البصرة وأهلها يستحقون أكثر من ذلك، وبالذات الطبقات العاملة التي تقتات على فتات العيش، ولا ينبغي زيادة العبء عليها أكثر مما تعانيه بشكل يومي.