رأي

لماذا سيصوت الكردي بـ"نعم" للانفصال؟ (2-2)

لماذا سيصوت الكردي بـ"نعم" للانفصال؟ (2-2)

نصيف الخصاف

 

 

تطرقت في المقال السابق للاسباب التي تدفع المواطن الكردي البسيط يصوت ب"نعم" لإنفصال الإقليم عن العراق، وهي أسباب موضوعية مهمة، لكن ثمة سبب بنيوي يتعلق في بنية النظام السياسي العراقي "الجديد" تتعلق بماهية النظام وشكله وطريقة تطبيقنا ل"الفيدرالية" فيه، ساهمت في بروز خلافات شديدة بين أربيل وبغداد وتضخمها إلى الدرجة التي جعلت القوى السياسية الفاعلة في الإقليم تفكر باللجوء إلى خيار الإنفصال عن العراق.

 

تنص المادة الأولى من الدستور العراقي على أن "جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم  فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" ولو عرفنا (الفيدرالية) بأنها شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة اتحادية ووحدات أصغر (أقاليم،أوولايات)، ويكون كلا المستويين من الحكم معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسم الحكومتان السيادة في الدولة. وتعتبرالأقاليم أوالولايات  وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي –دستورها الخاص-الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذيه والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم،أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة الإتحادي -الذي له العلوية على دساتير الأقاليم أو الولايات - بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية أو من إحدى حكومات الأقاليم أو الولايات.ولو أخذنا الصيغة –التي وردت في الدستور- وطبقنا التعريف الخاص بالفيدرالية عليها، لإستنتجنا بدون جهد بأن النظام في العراق لم يكن خلال السنوات السابقة من التجربة السياسية العملية في جمهورية العراق نظاما فيدراليا، بل هو هجين،نظام يتمتع فيه إقليم كردستان بسلطات للإقليم (برلمان وحكومة إقليمية)، في حين ليس للجزء العربي من العراق سلطات إقليمية كما يفترض في النظام الفيدرالي، بل هناك حكومة تسمى "إتحادية" خطا، تمثل في حقيقتها حكومة لباقي أجزاء العراق خارج إقليم كردستان،يتمتع فيها الأكراد "إسوة ببقية النواب من المناطق خراج إقليم كردستان" بقدرة تأثيرعلى كل ما يتعلق بهذه المناطق، الأمر الذي لا يتمتع فيه نظراءهم من "الجزء العربي" فيما يتعلق بإقليم كردستان، فليس ثمة سلطات إقليمية للجزء العربي من العراق- كما يقتضي النظام الفيدرالي- بل فيه سلطات يطلق عليها وصف "إتحادية" لا تتمتع بأية سلطات "إتحادية" فيما يتعلق بكردستان، وليس ثمة سلطات "إقليمية" للجزء العربي من العراق-كما يفترض بالنظام الفيدرالي-كي يستطيع إدارة شؤونه الخاصة بمعزل عن تأثير أشخاص وقوى خاصة بإقليم كردستان كما يحصل حاليا فيما يطلق عليه "حكومة إتحادية" في بغداد، وهذه خلطة غير منسجمة، فالسلطات "الإتحادية" الأن يؤثر في سير عملها فيما يتعلق بالجزء العربي من العراق ما تريده سلطات إقليم كردستان، وهذا حق بإعتبار الحكومة المركزية حكومة "إتحادية"، يتمتع إقليم كردستان عبر ممثليه في مجلس النواب العراقي ومجلس الوزراء العراقي"الإتحاديان" بكامل التأثيرعلى ما يتعلق ببقية أجزاء العراق إسوة ببقية الأعضاء.

 

هذا الخلل البنيوي، جعل سلطات الإقليم تطمح في ممارسة صلاحياتها على وفق ما يفترضه النظام الفيدرالي، وهي تفعل ذلك وتزيد عليها أحيانا، لكنها توجد الذريعة لمواطنيها في حالة حصول إخفاق في أداءها أو مسؤولياتها، فتحيل السبب إلى "السلطات الإتحادية" التي هي ليست "سلطات إتحادية" ولا تتمتع بصلاحيات "السلطات الإتحادية".

 

وما ينبغي عمله لتصحيح هذا الخلل البنيوي هو العمل على تطبيق المادة الأولى من الدستور، وإيجاد مؤسسات دستورية للجزء العربي من العراق، وستحل الخلافات مع إقليم كردستان تلقائيا بمجرد وجود سلطات للإقليم العربي من العراق، لأن الإقليمين سيخضعان لمعيار واحد من حيث حصة كل منهما في ثرواته، وصلاحيات سلطاته، ومنافذه الحدودية وعوائدها، وقواه الأمنية، وعلاقتهما ومساهمتهما في السلطات الإتحادية التي ستنبثق من كليهما.والحقيقة إن فكرة إيجاد إقليمين سبق أن دعى لها السيد فؤاد معصوم رئيس الجمهورية، لكنه قوبل بالكثير من الإستهجان وسوء الفهم، ولو حدث ذلك منذ إقرار الدستور الحالي عام 2005 لتجنبنا الكثير من المشاكل التي تنجم من تداخل الصلاحيات الإقليمية والإتحادية.

 

مقالات أخرى للكاتب