رأي

عراق ما بعد الاستفتاء

عراق ما بعد الاستفتاء

د. خليل الناجي

 

بعد استفتاء الانفصال لإقليم كردستان في ٢٠١٧/٩/٢٥ صرح السيد مسعود البرزاني بأن "الاستفتاء لا يرسم حدودا، ولا يعني الانفصال فورا عن العراق".

امران في غاية الأهمية ذكرهما السيد البرزاني في هذه العبارة هما (الحدود ، و الانفصال)، يمثلان الخطوات الأهم في حسابات السيد البرزاني للمرحلة المقبلة على ما يبدو؛ لكونهما من التحديات الأبرز لاعلان الدولة الكردية في شمال العراق ..

احاول ان اقف عندهما واتعرف مدى تحقق كل منهما في الوقت الحالي.

فبالنسبة للحدود .. يرى المختصون انها منصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة ٥٣ من دستور العراق للمرحلة الانتقالية، والتي تنص على:

"يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالي ونينوى".

وقد أقرها ايضا دستور العراق الحالي في المادة ١٤٣ منه، والتي تنص على:

"يلغى قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وملحقه عند قيام الحكومة الجديدة، باستثناء ما ورد في الفقرة (أ) من المادة (53) والمادة (58) منه".

هذه النصوص تدل بوضوح على ان الحدود المتفق عليها دستوريا هي التي كانت قبل دخول القوات الأمريكية للعراق في العام ٢٠٠٣، الا ان السيد مسعود البرزاني ومنذ العام ٢٠١٤ وصولا إلى ٢٠١٧/٩/٢٥ استطاع أن يتوسع في الاستحواذ على مناطق ومساحات شاسعة من الأراضي العراقية مستغلا الظروف الصعبة التي مرت بالبلد في تلك الفترة؛ الأمر الذي مكنه من بسط سيطرته التامة على الكثير من المناطق واخضاعها لإدارة الاقليم بدلا من الحكومة المركزية، وإعلانه بانها أصبحت جزءا لا يتجزأ من الاقليم، وقد اجرى الاستفتاء فيها متجاهلا قرارات الحكومة المركزية والحكومات المحلية لبعض المحافظات ذات الصلة بالموضوع الرافضة لذلك؛ ومن هذا كله نعرف ان حدود الاقليم بعد الاستفتاء هي غيرها المنصوص عليها دستوريا.

أما الانفصال، وهي الخطوة الاهم والابرز، والتي أجد انها خطوة مؤجلة لأسباب موضوعية في مدرك القيادة الكردية، ولعل من أهم تلك الأسباب الآتي:

١. ضمان دعم القوى الكبرى لإقامة الدولة الكردية، وهو ما لم تحصل عليه القيادة الكردية الى الان، الا انني كمتابع للاحداث اجد ان موقف بعض الدول كان خجولا، ويمكن أن يتغير مستقبلا لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي وروسيا والصين.

٢. ضمان الاعتراف الاممي بالدولة الكردية في حال الإعلان عنها، واعتقد ان مبادرة الامم المتحدة التي دعت فيها إلى تأجيل الاستفتاء كانت تعترف ضمنيا بحق الشعب الكردي في الانفصال عن العراق لكنها كانت تعترض على التوقيت فقط.

٣. موقف دول الجوار ذات الصلة بالقضية الكردية وهي كل من إيران وتركيا وسوريا التي يعتقد الكثير من المراقبين أن مواقفها ستكون الرفض المطلق لاية خطوة في إطار انفصال إقليم كردستان، الا أني اعتقد ان موقف تركيا ليس مضمونا على الإطلاق بالرغم من الخطابات النارية التي سمعناها من القيادات التركية الرافضة للاستفتاء، وأما سوريا فهي دولة لا تقوى على اي اجراء يمكنها من عرقلة قيام الدولة الكردية سواء في العراق او حتى في أراضيها، لذا فإن الموقف الرافض والذي يشكل عقبة امام القيادة الكردية هو موقف إيران والذي اجد انه سيتم تجاهله في حال حصول القيادة الكردية على دعم القوى الكبرى.

٤. موقف الحكومة المركزية في بغداد الرافض للانفصال بأي شكل من الاشكال، وعلى الرغم من كل الاجراءات التي اتخذتها الحكومة المركزية تجاه تمرد القيادة الكردية الا انها تبقى محدودة الإمكانيات في إطار تقييد الأكراد لا سيما في حال حصولهم على الموقف الدولي الداعم لقيام الدولة الكردية.

من ذلك كله نعلم أن الاستفتاء كان خطوة مهمة باتجاه اعلان الدولة الكردية؛ فعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي واجهها السيد البرزاني في تنفيذه الا انه اصر عليه، وبذلك يكون قد حقق عدة نتائج اهمها الاتي:

١. خطوة باتجاه توسيع حدود الاقليم والتي ستكون ورقة ضغط بيد السيد البرزاني في اية مفاوضات مستقبلية.

٢. إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي برغبة الأكراد في الانفصال والتي ستكون حاضرة في اية تحركات لإقناع المجتمع الدولي بمشروع الانفصال.

٣. توسيع القاعدة الشعبية والحضور السياسي للسيد البرزاني في الاقليم لا سيما في ظل الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية للاقليم قبل نهاية العام الحالي.

 

 

 

 

 

مقالات أخرى للكاتب