رأي
يستغرب بعض المتابعين ذهابنا لتعيين كردستان العراق بالذات، كموطئ قدم امريكي اخير في الشرق الاوسط، وهم محقون من دون شك، على الاقل اذا ما اخذنا بالاعتبار مجمل منظورهم، الذي تعودوا ان يقيسوا عليه مختلف قضايا المنطقة، ويحددون ما يحتله كل منها في الحسابات الاستراتيجية للقوى الكبيرة، ويبدو أننا بحاجه قبل ان نذهب الى تقييم المجريات الراهنة، ومستقبلها، من زاوية ووفقا لايقاع ومقتضيات الواقع الراهن عالميا.
والنقطة التي يهمنا ان نركز عليها في هذا المجال، مع توخي تحاشي التوسع او الاطالة، هي اللحظة المستجدة، ونوع العالم الذي يتشكل اليوم، سواء عراقيا، او عالميا، ومن الضروري قبلا التذكير بان مجريات الازمة الكردية الاخيرة، لا تشبه من حيث الاطار والسياقات، اية من لحظاتها التي اعتدنا على متابعتها في الماضي، اي في الفترة اللاحقة على عام 1921 ،منذ شكلت "الدولة العراقية الحديثة"، او ما يميل البعض الى اعادته لاتفاقبة سايكس بيكو، حيث الحق الاكراد وقتها كما يقولون، او تقول حركتهم "التحررية"، بالكيان الجديد الناشئ عن دمج الولايات التركية الثلاث : الموصل، وبغداد، والبصرة.
فعالم اليوم، اي عالم مابعد سقوط الاتحاد السوفياتي، هو غير عالم اوائل القرن الماضي، واهم الاختلافات الجوهرية بين العالمين، تتمثل في كون الثاني، هو عالم "بناء الامم"، والحالي عالم، او زمن تفتيت الامم، والقوميون العرب مثلا، كانوا يرفضون نتائج سايكس بيكو، ويعتبرونها مجحفة، وادت لتقسيم الامة العربية "الواحدة" برايهم، كما قد يعتبر الاكراد بان الكورد كانوا يستحقون دولة، لهم وباسمهم، توحدهم في كيان مستقل، والقوميون العرب يعتقدون اليوم، باننا نعيش زمن تفتيت المفتت، بينما يداخل الكورد احساس باحتمال، او امكانية انتهاز الفرصة لاقامة كيانهم، مخالفين لابل ومعاكسين بهذا، المسار الرئيسي الغالب على الاوضاع في المنطقة والعالم.
ولاشك بان القضية الكردية، صارت مثل كل القضايا الوطنية والقومية في المنطقة، بحاجة لاعادة نظر على الصعد المختلفة، بكل مايتعلق باسس مقارباتها، خارج الايديلوجيات، فالمرحلة المنقضية، اتسمت خلال القرن العشرين بطغيان "الايديلوجيات"، سواء في مجال الرغبة في بناء الكيانات، او السعي لاظهار شخصيات وكينونات الامم المغيبة، والمضطهدة، او المنتقصة على مستوى الحضور الكياني، ويمكن اعتبار المغالاة في استعمال شعار "حق تقرير المصير"، بما خص المسالة الكردية بالذات، من بين احد تلك المظاهر، مثله مثل مفهوم "الدولة" الايديلوجية في العراق، فالحالتان تخالفان في المنظور الواقعي التاريخي، والنظري موضوع (الدولة/ الامة) كحصيلة للتطور البرجوازي الحديث. الامر الذي غالبا مايتسبب القفز عليه، الى اضرار بالقضيايا الوطنية والتحررية، فعدم اكتمال ونضج "الامة" موضوعيا، يصعب للغاية مهمة تحريرها، هو يضعها امام احتمالات التشتت والانقسام الداخلي، وانفتاحها داخليا امام مخططات وتدخلات اعدائها، كما حصل دائما، وكما هو موشك على الحصول اليوم بما يخص القضية الكردية العراقية بعد 2003 وعند اللحظة الحالية تحديدا.
ولا يتوقف اثر عدم نضج الامة فقط، على تماسكها الداخلي، وحسن ادائها الموحد المتناغم، بل ويصل في الغالب لحد اقحامها ضمن تناقضان، لا تنسجم مع طبيعتها، مثل التحالف مع قوى وجهات، ومراكز تاثير وقوى هيمنه عالمية استعمارية، مناقضة لطبيعتها، ومخالفة بنية لكينونتها، التي يجب ان تتلاقى فعليا، مع المصلحة والاهداف التحررية للشعوب الاخرى القريبه لها والمتعايشة معها تحديدا.