رأي

نصر.. ربما كسيح
!

نصر.. ربما كسيح
!

د. هشام داود

كما كان متوقعا، انتزعت بغداد شرعية كبيرة في الداخل والخارج جراء اصرار اقليم كردستان على اجراء استفتاء على حق تقرير المصير. المتابعون يدركون بأن اية شرعية تستمد قوتها من قبولها بين أبناء البلد الواحد او من قبل اغلبية واضحة، وليست تلك المفروضة بقوة السلاح، لاسيما وان جزءا أساسيا من شرعية بغداد يستند الى الدعم الخارجي غير المحدود سياسيا وعسكريا.

 

لقد استقال أمس السيد مسعود البرزاني من رئاسة الاقليم. وهناك استعداد كردستاني للتفاوض، وفتح جميع الملفات بروحية يقولون انها ستحترم الدستور، ووحدة الاراضي العراقية (مع الاقرار بتعدديتها الداخلية واقاليمها).

 

الأمر الذي يجعل الأولوية تنصب الآن في الدعوة لاستقرار الوضع في إقليم كوردستان بالدرجة الأولى، والتشجيع على خلق توازنات سياسية واجتماعية داخلية بدل التنسيق مع الجيوش الاقليمية فقط، بالاضافة الى التصدي لمهمة إعادة الاعمار، فضلا عن التفكير بشكل الدولة العراقية بعد داعش.

 

للاسف، هناك عجز في الخطاب والتصور السياسي للدولة الاتحادية:

 

1- كيف ستأتي أجوبة بغداد على اشكالية المياه التي ستكون قاسية نتيجة السياسة التركية؟

2- كيف ستتم مواجهة العجز المريع في الميزانية التي التهمت الكثير من الاحتياطي (عجز حوالي ٧٥ بالمئة)؟

3- لدينا العديد من الحواضر والمدن الخربة تماما. كيف ستتم اعادة بنائها؟ فالتقديرات الاولية تؤكد على ضرورة الحصول وبشكل عاجل على عشرات المليارات من الدولارات.

4- ما هي السياسة النفطية للبلاد في عصر التخمة، وفي وقت تهرب فيه كبار الشركات العالمية من حقول عراقية مهمة، (إذ قوبل انسحاب شركة شل من حقل مجنون العملاق بالصمت).

5- هل ستقبل الدولة الاتحادية بعد بوجود جماعات عسكرية موازية لمؤسساتها الامنية والعسكرية؟

 

على رئيس الوزراء ادخار طاقته للاجابة على هذه الاسئلة وغيرها التي تعتبر الاصعب، فاننا نعرف جميعا بأن الانتخابات القادمة ستحصل بعد ثمانية اشهر.. ماذا ستكون عليه الاستحقاقات السياسية وقتها؟ أتذّكر بأن جورج بوش الاب، بعد معركة الكويت، كان يحظى بشعبية لا تضاهيه الا شعبية روزفلت وايزنهاور ولكنه خسر بعد أشهر أمام مرشح مغمور كان حاكما لأفقر ولاية في الولايات المتحدة (بيل كلنتون).

 

نحن العراقيون نشعر اليوم بالفخر والثقة بالذات، كوننا حققنا اول «نصر» منذ اكثر من نصف قرن، حتى ولو كان ضد جزء منا! ولكن، معركة السيد العبادي الحقيقية ستبدأ يوم غد: ما هي حلوله للخروج من الازمة البنيوية التي تعصف بالبلد؟

 

ما حصل حتى اللحظة هو إرجاع بعض المناطق المتنازع عليها "عسكريا" الى الادارة الاتحادية، بمعنى أننا أضفنا الى الادارة الفاشلة في الوسط والجنوب ربما إدارة ثالثة فاشلة في كردستان. من دون تحولات حقيقية، دعني اسمي ذلك بالنصر السلبي، او الفوز الكسيح!

 

د. هشام داود: باحث بالانثروبولوجيا السياسية، في المركز الفرنسي للبحوث العلمية.

مقالات أخرى للكاتب