ثقافة
في منتدى الادباء الشباب بالناصرية كانت أول رؤيتي له انسانا يختلف عن الآخرين في الشكل والتصرفات والحركة التي يثيرها أينما حل، سألت عنه بصوت منخفض، فقيل انه الشاعر كزار حنتوش، حيّاني من بعيد ثم قدم لي قصيدة منشورة، وقال هذه قصيدة لك منشورة في الطليعة الادبية.. شكرا لكنه غاب قبل ان يسمع كلمة الشكر.
أحاديثه شذرات يلقيها هنا وهناك، ويغيب لا اعرف أين يصحبه شباب دائما يحيطون به، وقد ياخذونه فلا تعثر لهم على اثر. فقد وجدوا في شخصية الشاعر الغريبة بغيتهم، قد يهرب منهم بسرعة، وقد يسهر معهم حتى الصباح، يتشبثون به تجذبهم ظاهرة الصعلكة، وما فيها من تمرد وخروج عن المالوف في الشعر والحياة، وقد لحقت به صفة الصعلكة أثناء وجوده في بغداد وعلاقته ببعض الشعراء المتمردين، فقد عرف الشاعر عبد الامير الحصيري ورافقه في بداية حياته وقد جذبته شخصية الحصيري المتمردة وعفويته، فهو يحصل على ما يريد بالتندر وحياة العبث التي يحياها، وقد اصبح الحصيري ظاهرة ادارت رؤوس الكثيرين من الشعراء الشباب الذين حاولوا تقليده ومنهم ذلك الشاب القادم من ريف الديوانية كزار حنتوش، بعدها تعرف الى اغرب شخصية في حياته وهو الشاعر جان دمو، يقول كزار: ان "جان" اخترع ما يسمى بالشتيمة الادبية التي يرميها في وجوه الجميع حتى كبار المسؤولين الذين يديرون المؤسسات الادبية والذين يتحاشون شتائمه، فيدفعون له، وقد ربطته بكزار علاقة طيبة، وشهد معه قصصا ومقالب في ليل بغداد وحاناتها وشوارعها.
كزار المهندس المساح الذي هجر الوظيفة الى الشعر، وهجر الديوانية الى بغداد ولياليها الحافلة التي يعود منها متعبا خالي الوفاض، وكثيرا ما عاد بجراح ولكمات ثم ينطوي على نفسه حتى يزول كل شيء ويعاود حياته من جديد.
هناك الكثير مما يرويه كزار عن تلك الفترة ولقاءاته مع الشعراء الذين جمعتهم معه الصدفة، وتركوا بصمات عميقة في حياته، وكتب عنهم القصائد والمقالات التي يتلقفها الشارع بشغف، وكانت الثمانينات من اخصب مراحل تالقه الشعري، فقد اصدر خلالها مجموعته الاولى الغابة الحمراء التي احتفى بها الوسط الثقافي كما لم يحتف بمجموعة شعرية من قبل، وكتب عنها كبار النقاد العراقيين، ومنهم الاستاذ ياسين النصير وحاتم الصكر، والشاعر خليل الاسدي وغيرهم.
ومن الشعراء الشباب في ذلك الوقت الذين تربطهم بالشاعر كزار حنتوش علاقات صداقة: نصيف الناصري وحسن النواب وعلاوي كاظم كشيش وأسماء كثيرة يصعب احصاؤها، ولديه قصيدة مهمة تدور حول مفهوم الصعلكة عنوانها (الصعاليك).
أما مجموعته الثانية "أسعد انسان في العالم"، والتي كانت بعنوان "قصائد لا يحبها الرأسماليون"، لكن صديقه الشاعر يوسف الصائغ غير العنوان الى أسعد انسان في العالم صدرت في التسعينيات، وكان لصدورها ردود افعال كثيرة.. سألني ذات مرة، بعض القراء الذين اقتنوا الكتاب عن ان العنوان لا يمت للمتن بصلة، لأن النصوص شفرات حادة بالحزن، فقلت لهم اكملوا قراءة الكتاب لتكتشفوا سر العنوان.
أما مجموعته الثالثة "حديقة الأفاقين"، فلم تصدر في حياته، فقد كان كسولا جدا، لكنها صدرت ضمن المجموعة الكاملة بعد موته، بجهود المثقفين وبعض المحبين الذين تبنوا طباعتها والاشراف عليها، وهناك قصائد كثيرة جدا لم تشملها المجموعة تفرقت لدى الاصدقاء هنا وهناك تحتاج لجهود كبيرة لجمعها وطباعتها كما أن للشاعر الكثير من المقالات النقدية والادبية والاعمدة الصحفية متفرقة في الصحف والمجلات.