رأي

قراءة في مطالب المتظاهرين السياسية

قراءة في مطالب المتظاهرين السياسية

د. خليل الناجي

بعد عدة أيام من انطلاق التظاهرات المطالبة بالخدمات في بعض المحافظات العراقية، برزت وبشكل لافت عدد من المطالب السياسية، والتي كان أهمها المطالبة بتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، وللوقوف على أبعاد هذا المطلب نورد الآتي:

 

1. إنّ الأنظمة السياسية المتبعة في كل دول العالم تتكون من سلطات ثلاث، هي التشريعية والتنفيذية والقضائية، لذا فإن تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي لا يعني إلغاء البرلمان، لان البرلمان يمثل السلطة التشريعية للدولة.

 

2.  إنّ تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي يقتضي تعديل الدستور، لان الدستور العراقي وفي مادته الأولى ينص على أنّ نظام الحكم في العراق جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وقد حددت المادة (142) منه آلية تعديله، من خلال تشكيل لجنة برلمانية تأخذ على عاتقها إجراء التعديلات المناسبة، ليتم بعد ذلك عرضها على البرلمان، ثم إجراء الاستفتاء الشعبي عليها.  

 

3.  إن تعدد السلطات المنتخبة من قبل الشعب يمكن أن تؤدي إلى فوضى سياسية لا سيما في بلد مثل العراق، لأنها ستخلق حالة من التنافس على صناعة القرار، إذ كل منها يعتقد أن له الحق في اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً، لكونه منتخباً من قبل الشعب، لذا فان مثل هذا النظام يمكن أن يؤدّي إلى أزمات سياسية معقدة يصعب الخروج منها.

 

وتأسيساً على ما تقدّم يمكن استنتاج الحقائق الآتية:

1.  بروز الشعارات السياسية في التظاهرات كان متأخرا عن الشعارات الخدمية، وهذا يُرجّح احتمالية ركوب موجة التظاهرات من قبل أصحاب التوجهات المعادية للعملية السياسية في العراق.

 

2.  المطالبة بتغيير النظام السياسي إلى رئاسي، يعني مطالبة بصورة غير مباشرة بإسقاط النظام، وهو ما أفصح عنه بعض المتظاهرين في تظاهرة يوم الجمعة 21/7/2018؛ لأنهم لو كانوا يريدون إصلاحات سياسية حقيقية لطالبوا بالإسراع بانعقاد البرلمان، والمباشرة بإجراءت التعديل الدستوري.

 

3.  تحوّل المطالب من طابعها الخدمي إلى السياسي، يكشف عن وجود توجهين رئيسيين في تلك التظاهرات، يمثل الأول منها المتظاهرون المطالبون بالخدمات، وهم الفئة الأكبر والأكثر عددا بين المتظاهرين، والفئة الأخرى يمثلها أصحاب المطالب السياسية، وهم الأقل عددا، والأدنى قبولا بين عامة الشعب.

 

4.  أغلب المطالب السياسية يرفعها شباب تتراوح أعمارهم بين (16–25) سنة؛ الأمر الذي يثير تساؤلات كثيرة تتعلّق بمدى إدراك هؤلاء الشباب لتلك المطالب، وفهمهم لها، وهل أنهم واجهات لجهات غير معروفة؟

 

اعتقد ومن وجهة نظر متواضعة أن المطالب السياسية التي أطلقت في بعض التظاهرات تمثل انعطافة خطيرة، لا بد من الوقوف عندها ودراستها بشكل مفصّل، لمعرفة مدى تأثير المحركات الخارجية والداخلية في إثارة الرأي العام العراقي، ومستوى حصانة الفرد العراقي لمواجهة مثل تلك التحديات.

 

أرى أننا بحاجة إلى مراجعة جدية لكل تفاصيل ما جرى ويجري في العراق منذ العام 2003 إلى اليوم، مراجعة سياسية وثقافية واجتماعية ونفسية وأمنية واقتصادية وتربوية وتعليمية وخدمية؛ ليتسنّى لنا فهم الواقع المضطرب للبلد، والتعامل معه بشكل أكثر موضوعية، عسى أن نتمكّن من ترميم ما أفسده الفوضويون في بلدنا الحبيب.

 

مقالات أخرى للكاتب