ثقافة

الذكاء الأبله

الذكاء الأبله

د. محمد غاني

عنوان اقتبسته من قولة الفيلسوف الطبيب وعالم اللاهوت والموسيقي الألماني الشهير "الانسان هو حيوان ذكي أبله" فأثارني هذا التعريف الذكي لحقيقة الانسان للمزيد من التأمل والتفكر في مدى صدقية هذا التعريف الذي لا بد أن يكون نتج بعد طول تفكر في حقيقة هذا الكائن الأرضي، من طرف فيلسوف حاصل على جائزة نوبل للسلام، وذلك في أوج صرامة لجنة تحكيمها قبل ان يدخل لجنها الهوان والتمييز وعدم الشفافية وذلك لدفاعه المستميت عن فكرة تمجيد وتقديس الحياة.

 

كيف يكون المرئ ذكيا وأبلها في نفس الآن، ربما حين لا يفرق بين حب التميز وحب تحقيق الكمال، فعوض ان يسعى الى المقصد الأول لانه ممكن التحقق، تجده يسعى الوصول الى الهدف الثاني الذي هو من صفات المطلق وليس الحادث. يذهب الفيلموغرافي الكبير ماكل جي فوكس الى ان احرص على عدم الخلط بين التميز والكمال.. التميز، أستطيع الوصول له؛ الكمال هو عمل الله.

 

ربما لانه لا يفرق بين السعادة والنجاح ولا يدري أيهما طريق للآخر، حيث يظن بداية ان النجاح سبب السعادة ولا يدرك الا في آخر الطريق ان كونه سعيدا هو سبب وصوله الى ما وصل من النجاح، وهذا رأي شفايتزر نفسه حيث يصيغ ذلك قائلا: ليس النجاح هو سبب السعادة ولكن السعادة هي سبب النجاح: أحب ما تقوم به تكن ناجحاً.

 

ربما لانه يظن لا يفرق بين اهمية تذكر الاخطاء لاستثمارها في تصحيح الهفوات وهو المقصود من الاستغفار باللسان في التراث الديني وبين مجرد استحضارها من اجل كره الآخرين وتجنبهم حتى لا نسقط في نفس الأذى، فان كان الامر كذلك فنسيان الأخطاء اهم من تذكرها ولذلك صاغ شفاتزر ذلك فيما اعتبر من اهم حكمه "السعادة تكمن في صحة جيدة وذاكرة سيئة".

 

ربما لا يفرق بين السعي بلا كلل من اجل النجاح حيث يعرف شفايزر عينه السعادة بانها ان تخوض الحياة بلا كلل" وتعريفه هذا ليكون صحيحا ينبغي اضافة كلمة "مع تحديد الاهداف" والا فالتعاسة هي ايضا خوض للحياة بلا كلل، لان صاحبها فقد بوصلة الحياة التي توصل الى السعادة.

 

ربما لانه لا يفرق بين ما يحيي روحانيته وما يحيي بدنه، فيركز على الماديات ويترك المعنويات دون قوت يومي، حتى يأتيها عزرائيلها ليخطف روحها، وهو يصوغ ذلك قائلا: مأساة الحياة هي ما يموت داخل المرء أثناء حياته، لذلك فهو يحث المرئ على ان يعيش مثله العليا قبل ان تسلبه الحياة اياها فبعيشها نحافظ عليها، ولا يتأتى له ذلك في نظره الا بتوسيع دائرة تعاطفه مع سائر المخلوقات الحية فوق الارض آنذاك فقط يتأتى له عيش الحياة في سلام، غاية الحياة الإنسانية خدمة الآخرين والتعاطف معهم والرغبة في مساعدتهم.

 

ربما لكل هذا خلص شفايزر الى كون الإنسان هو الحيوان الذكي الذي يتصرف مثل الأبله.

 

كاتب من المغرب

 

مقالات أخرى للكاتب