رأي
غضب الأميركان على خلفية قيام الصينين "بسرقة" التكنلوجيا الأميركية، من خلال تعديهم على قانون الملكية الفكرية. وسجالات الأميركيين مع الصينين حول هذا الشأن طويلة؛ أبتداءً من أنظمة برامج الأجهزة الذكية ونهاية بالتكنلوجيا العسكرية التي توّجتها الصناعة الصينية بالمقاتلة الحربية (j-31) النسخة " طبق الأصل" من المقاتلة الأميركية (f-35) وتعد هذه الأخيرة الطائرة الأكثر تطوراً في العالم. فمن هنا نفهم مغزى الحرب التجارية التي يشنها ترامب على الصين، فالمغزى مختلف تماماً، ويتعدى " الحمائية" المتعارفة: أن تحصّن بلدك من الصادرات الأجنبية، بل استشعرت أميركا الخطر الصيني، وحيازة هذا الأخير على التكنلوجيا المعقدة. ولذلك يقول ترامب" "نحن لسنا في حرب تجارية مع الصين، تلك الحرب خسرها أشخاص حمقى وغير أكفاء كانوا يمثلون الولايات المتحدة منذ أعوام كثيرة". إن النخب الأميركية الحاكمة تستشعر الخطر الوشيك، وأن هناك " مؤامرة" صينية تخترق الداخل الأميركي، فسارعت أميركا لتحصين نفسها بالحرب التجارية للحد من هذه الاختراقات، وحرمان الصين من حيازة التكنلوجيا المعقدة.
الخلاصة التي نتعلمها من المقدمة أعلاه: إن المؤامرة حينما تحدث، فهي تحدث كنتيجة لتراكمات هائلة تترك خلفها الكثير من الفجوات. الدول التي تحترم نفسها تعترف بتقاعسها وتركها الفجوات لتكون ممراً لتنفيذ أي مؤامرة يمكنها أن تحدث. فالرئيس الأميركي يشير إلى وجود " حمقى" تركوا الباب مفتوحاً لتنفيذ أجندة القوى الخارجية لتتلاعب بمقدرات البلد. هذا منطق الدول الكبرى وكيفية تفسيرها للمؤامرة، ذلك أن الخبراء الأميركان يعلمون قبل غيرهم (لأنهم عرابو المؤامرات) إن تفسير المؤامرة بمعزل عن مسبباتها يحولها إلى منطق تبسيطي لتفسير التاريخ. إن المؤامرة لا تصنع الحدث التاريخي بل العكس هو الصحيح، إن المؤامرة نتيجة كيفية لتراكمات كمية. بعبارة أخرى: لا تحدث المؤامرة مالم تجد لها مقدمات داخلية تساعد على تنفيذها. فمن هذه الناحية لايمكن التعامل مع المؤامرة بهذا الشكل التبسيطي المدرسي.
ماذا يحدث في البصرة؟
ثلاثة أرباع ثروة العراق النفطية تأتي من البصرة، فهي الشريان المغذي لكل محافظات العراق. إنها ريع العراق الأكبر وبحيرة النفط الهائلة الذي يعتاش منه العراقيون، ويحق للبصريين أن يصنفوا أنفسهم كأحد أغنياء العالم. لأنهم يعومون في بحيرة من النفط ومرفأ مهم للبضائع القادمة من العالم. وتلك المزيتان لا يحصل منها البصريون حتى الماء الصالح للشرب!. وعوضاً عن ذلك تستولي على هذه المنطقة الغنية حثالة من النخب السياسية تحتكر الثروة لها ولتابعيها، فتقع البصرة تحت قبضة أقلية طفيلية تتحكم بمقدراتها ابتداءً من العقود ومروراً بالتحكم بالميناء، الذي قسموه على طريقة المحاصصة، ونهاية بتجارة الحشيشة!. فساد الأقلية الحاكمة في هذه المحافظة الغنية يحيل البصرة إلى كارثة لا تصدق. الكل أثرياء في البصرة ماعدا سكّانها: للنخب الفاسدة الثراء وللبصريين الماء المالح وسوء الخدمات وتفشي ظاهرة المخدرات. البصريون الذين يمكنهم بناء العراق من أقصاه إلى أقصاه يتوسلون الحكومة لتوفير الماء للشرب، ويطالبون بالخدمات أسوة بباقي البشر!..
بعد هذه المقدمة الوجيزة، هل تعلمون كيف تحدث المؤامرة؟!، هل أدركتم أن مافعله البصريون هو محاولة لإيقاف هذه المؤامرة الخبيثة التي تحاك على البصرة وأهلها؟. بدلاً من ذلك، يخرج الناس بأحكام جاهزة ومسلفنة: إن المظاهرات نتيجة لمؤامرة؟!، بمعنى أن كل هذا الخراب طيلة السنين الخمسة عشر يحذف من قاموس " المحللين" ولا علاقة له بما يحدث، وتتحول المؤامرة، بنظرة هؤلاء السطحية، إلى مقدمة وليست نتيجة!. كما لو أن ماحصل طيل هذه السنين لا يكفي لتصنيفه كأبر مؤامرة تحدث لهذا البلد. يتم تجاهل كل هذه المقدمات وينحصر منطق التخوين والمؤامرات بما حصل في المظاهرات. "إن الخيانة العظمى" في نظر الفاسدين هي أن تحرق مقارهم الحزبية، لكن أن يتم تنكيل وإفقار محافظة غنية لا يندرج ضمن قاموس التآمر. إذا كنتم جادين في فهم الأسباب والاختراقات التي حدثت ففتشوا عن حياة البصريين وكيف أمكنهم العيش طيلة هذه السنين. لو فكرتم بمصالح البصريين مثلما فكرتم بمصالح الشركات النفطية لفهمتهم منطق المؤامرة. لو اعتبرتم أن للبصرين عقد شراكة مواطنة مثلما تعتبرون أن عقود الشركات النفطية هي عقود مشاركة لما حدثت المؤامرة. والآن هل تدركون جيداً ماهي المؤامرة؟!.