رأي

هل كان ترامب محقا؟

هل كان ترامب محقا؟

د. خليل الناجي

ما إن أُعلن عن زيارة الرئيس الامريكي لقاعدة عين الأسد في الانبار حتى انهمر سيل المواقف التي اتسم معظمها بالرفض، واعتبار الزيارة انتهاكا صارخا لسيادة العراق وإهانة لحكومته وشعبه، بل هدد البعض باستخدام قوة السلاح لاخراج القوات الأمريكية من العراق.

 

وعلى الرغم من ذلك، فإن المتابع لكواليس الزيارة يرى أنها أُحيطت بالسرية التامة والحماية المشددة، ولم تستغرق سوى ثلاث ساعات قلقة لم يلتق فيها أيّاً من المسؤولين العراقيين الذين رفض بعضهم استقباله بهذه الطريقة، ونقلت وسائل الاعلام عن ترامب حزنه الشديد لحاجته هذه السرية والتحوطات الأمنية للقاء جنود أميركيين في العراق. فهل يا تُرى كان ترامب محقاً أم لا؟

 

وقبل الاجابة على هذا السؤال لا بد من وقفة مع  تعاطي العراقيين مع الحدث وردود افعالهم تجاهه، فعلى الرغم من اعلان مكتب رئيس الوزراء علم الحكومة بالزيارة فقد أثيرت حولها ضجة إعلامية هي أقرب إلى الفوضى سواء في وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي، إذ برزت خلال ساعات قليلة مئات بل آلاف البيانات والتصريحات والتغريدات والمنشورات والبوستات ومقاطع الفيديو، وبدأت الجيوش الإلكترونية تشن حملاتها الموجهة.

 

هذه المواقف المتناقضة وبصرف النظر عن قبولها او رفضها للزيارة تجعلنا ندرك تماما أن البلد غارق في حمّى الانتماءات الضيقة التي تعد من أهم معاول الهدم والتخريب لأية دولة في العالم، وتجعلنا أيضا أمام حقيقة مرّة لا بد من الاعتراف بها وهي ضعف الموقف الرسمي الذي يفترض أن يكون له القول الفصل في مثل هذه الأحداث، وان هذا لضعف ليس وليد اللحظة بل هو حصيلة تراكم للكثير من المشكلات المعقّدة والتي أفرزت واقعا سياسيا هشّاً وعاجزاً عن إدارة الدولة بالشكل الذي يقنع الجماهير ويلبي تلطعاتها، ولعل تزاحم الارادات لمكونات العملية السياسية واختلاف رؤاها وآيدلوجياتها يعد من أهم الأسباب التي أفرزت هذا الواقع القلق والمربك للبلد.

 

أعتقد ومن وجهة نظر متواضعة ان من يطالب الآخرين باحترام سيادة بلده عليه أن يكون في مقدمة الملتزمين بهذه الدعوة، والحريصين على إظهار ذلك الالتزام في سلوكه وخطابه، أما أولئك الذين ينحازون لانتماءاتهم الضيقة على حساب الانتماء للوطن فلا يحق لهم أن يكونوا دعاة لاحترام السيادة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يعبرون.

 

لذلك أقول.. نعم كان ترامب محقا في إحاطة زيارته للعراق بهذا القدر الكبير من السرية لأنه يدرك حجم الفوضى السياسية التي يعيشها العراق، ويدرك جيدا حجم الخطر الذي يمكن أن يتعرض له في هذا البلد الذي اتفق ساسته على أن لا يتفقوا.

 

مقالات أخرى للكاتب