رأي
على سبيل الافتراض والاستشراف للمستقبل كان يساق في وسائل الاعلام في اطار الحديث عن الإرهاب عودة محتملة ومتوقعة في أي لحظة لجيل من المقاتلين تركوا أوروبا وذهبوا للقتال في صفوف داعش في الشرق الأوسط، يصل عددهم الى حوالي خمسة آلاف عنصرا وطالما كان الحديث عن الفرضيات فان الاستجابة تاتي في سياق خجول وغير جاد مطلقا.
لكن الأمور في الأسابيع الأخيرة أصبحت ملف ازمة على طاولة الحكومات الأوروبية بما في ذلك حكومة فنلندا.. الملف اخذ طريقه الى وسائل الاعلام بشكل كبير، اخذ الجدل يحتدم حول إمكانية السماح لهم بالعودة ام لا، خصوصا وان بعضهم لا يمتلكون جنسية أخرى غير الجنسية الفنلندية وهناك من تحجج بالمعاناة التي يلاقيها الأطفال هناك.
ان البلدان الاوروبية امام اسئلة جدلية صانعة للتحول الفكري والثقافي ومن ثم السياسي... الملف يتجاوز كثيرا الهواجس الامنية وفيه من التداخل بحيث لا يمكن للسياسي وحده ان ينفرد باتخاذ القرار فيه... هناك اشخاص "ضحايا او مجرمون" في نهاية المطاف تلوثت سرائرهم وافكارهم بنمط تفكير خطير جدا، الضرورات الأمنية تحتم التعامل معهم في سياق مختلف عن المعتاد. لكن من جهة أخرى فان القوانين لا تتفهم ذلك في سياقات تشريعها، هناك قواعد معتادة لتعامل بلدان العالم عموما والبلدان الأوروبية خصوصا تجاه رعاياها، بعض هؤلاء مواطنون اوربيون في الصميم وبعيون زرق ولا يمتلكون جنسيات أخرى غير جنسيتهم الام والقانون الدولي يمنع سحب الجنسية عنهم في هذه الحالة. ناهيك عن ان بعض منظمات حقوق الانسان تدعو لعدم معاقبة أطفال الدواعش بجريرة أولياء امورهم. وهذا سؤال محير كيف يمكن ذلك..؟ طالما ان الاطفال رفقة ابائهم وامهاتهم الذين يحاولون العودة باي طريقة الى بلدانهم الام.
معالجة لتلك التساؤلات هناك من يتحدث عن ضرورة تغيير قوانين "المختص في متابعة الجماعات الجهادية الفنلندي آتّه كاليفا طالب بعدم السماح لعودة الدواعش ولو تطلب ذلك تغيير القوانين" وهناك من يحاول اعادة صياغة فلسفة الهوية الوطنية للمجتمعات الأوروبية وفق معايير جديدة، وهناك من ينحت في الصخر من اجل ايجاد انساق ومنافذ بطريقة مختلفة تفرق بين البعد الانساني والسلوك الاجرامي الخطير الذي قد يتسبب به هؤلاء.. اوروبا عموما تخوض جدلا جديا مختلفا تماما في جوهره عن الجدليات السابقة.
الكثير من البلدان الأوروبية ترفض استقبال مقاتلي داعش ومحاكمتهم لان السلطات القضائية لا تمتلك حقائق دقيقة وواقعية يمكن من خلالها استصدار قوانين ترتقي لحجم الخطيئة التي ارتكبها هؤلاء.
في ختام هذه الوقفة لابد استعراض حالة من التناقض الغريب في الموقف الاوروبي الذي تخلى عن تحمل المسؤولية تجاه رعاياه الدواعش وبنفس الوقت يستنكر على بلدان الشرق الأوسط وخصوصا العراق رفضه استقبال بعض طالبي اللجوء المعادين قسرا ويعتبر ذلك تخليا من العراق عن رعاياه!! ان ذلك يعكس ارتباكا أوروبيا واضحا جدا فيما يخص التعامل مع هذا الملف.