رأي
ليس حكماً على ما مضى، ولا يأساً مما سيأتي، وليس محاكمة لوضع ما، سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ولكن، أرى أن كثيراً من الأشياء تبدو مختلفة هنا، عن كل ما يحدث في مكان آخر، وقد يبدو أن ما سأتحدث عنه، لا يعدو عن كونه رأيا يحتمل الصواب بقدر ما يحتمل الخطأ.
لنأخذ مثالاً بسيطاً: في كل مجتمع، وفي أي دولة، ينظر الناس الى مستقبلهم بكونه الجديد، المتغير، المتبدل، يسير الى الأفضل، ويعرفون ان الغد يحمل تقلبات يكون معها الحاضر ماضياً مسرعاً الى الخلف، ماضياً قديماً لا يمكن العودة اليه، الا كذكريات، لا تحن الى عودته بقدر التمتع به، والشعور بالراحة لمرور تلك الأحداث والتفاصيل في الحياة التي تعلموا منها أن يكونوا أبناء اليوم.
أما نحن، فتركض بنا السنوات الى الأمام، وهو في كل الأحوال، صنو اللا شيء، واللا جدوى، وان ما نركض باتجاهه، فارغ، ومجهول، ومخيف، يجعلنا نعود الى الوراء سريعاً، نتأمل في ماض أغلبنا لم يعشه، ولم يعرف طعمه، بل قد يكون أغلبنا لم يقرأ حقيقة ذلك الماضي، وكيف نشأ، كيف سار، كيف ضاع، ولكننا مع ذلك، نقلب ألبوم ذاك الماضي الذي بقي مثل حلم بعيد لن يتحقق، ماض آمن، ماض مبدع، ماض سعيد الى حد ما، أما عن الماضي القريب، فهو ماض مليء بالشرور، مخضب بالدماء، ماض، يغص بالموتى رغماً عن أنوفهم وأنوف آبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم وحبيباتهم وأصدقائهم؟
مع ذلك، يبقى هناك من يحاول ان يعود بنا الى ذلك الماضي، باعذار وحجج وأوهام كثيرة.. فمتى، اذن، نكف عن الالتصاق بالماضي؟ ومتى نكون جديرين بيومنا هذا.. وبمستقبلنا الذي لن يصنعه أحد لنا، الا نحن؟!