رأي
مقارنةً بخطاب المكلف الأسبق محمد علاوي، يبدو خطاب التكليف الذي ألقاه مصطفى الكاظمي إنشائيا وفارغا من أي مضمون إيجابي، فقد خلا حتى من التعهدات اللفظية المعهودة في خطابات مسؤولي النظام وهذا ما يؤكد أن الكاظمي سيكون أسوأ من عادل عبد المهدي بفعل وظيفته المخابراتية وعلاقاته العميقة مع الاحتلال الأميركي منذ سنوات عديدة، وبفعل الشروط الإيرانية التي يبدو أنه أجبر على الموافقة عليها ليسمحوا له بالوصول الى رئاسة الحكومة ويسحبوا الحظر الذي وضعوه على اسمه في البداية وهددوا على لسان أحد الفصائل الولائية بـ "إحراق العراق إذا وصل الكاظمي الى الرئاسة" على خلفية اتهامهم له بالتورط في عملية اغتيال الشهيدين أبي مهدي المهندس وضيفه الرسمي سليماني من قبل القوات الأميركية في العراق. ولكن حلفاء طهران العراقيين سكتوا بعد أن وافق الكاظمي على بعض شروطهم كما يظهر من سياق الأحداث. سنناقش هنا خطاب الكاظمي باختصار:
1-لم يقل المكلف أي شيء بصدد نوعية الحكومة التي سيشكلها، وهل ستُشكل على مبادئ المحاصصة الطائفية الحزبية كالسابق أم الطائفية التكنوقراطية كما تعهد محمد علاوي، أم أنها ستكون مستقلة طائفيا وحزبيا؟ عوضا عن ذلك اعتمد الكاظمي الإنشاء الفارغ من أي مضمون فقال (ستكون حكومة خدمات، خادمة للشعب بالأفعال وليس بالأقوال!)، أي أنه قفز على موضوع نوعيتها ولاذ بالإنشاء والعبارات العامة. إن هذا السكوت يعني بكل وضوح أنها ستكون حكومة محاصصة حزبية وطائفية معا وبالتوافق بين أنصار إيران وأنصار أميركا داخل الأروقة الداخلية للنظام وإن الكاظمي سيكون دمية تحركها الأصابع الخارجية والداخلية من خلف الستار.
2- قال الكاظمي إن (السيادة العراقية ستكون خطاً أحمر) مواصلا استعمال لغته الإنشائية الفقاعية، فهو أكد على رفض المساومة على السيادة ولجأ الى الكلام عنها وكأنها واقع حال تارة أو وكأنها تتعلق بالماضي لا بالحاضر تارة أخرى، حين قال (العراق بلد عريق يمتلك قراره السيادي والحكومة ستكون ساهرة على السيادة الوطنية). الكاظمي لم يقل كلمة واحدة عن الوجود العسكري الأجنبي المفروض، وخاصة الأميركي والتركي، ولم يتطرق إلى تجميع القوات الأميركية في ثلاثة قواعد كبرى، أو إلى طلب واشنطن قبل يومين من الحكومة العراقية العودة الى اتفاقية الإطار الاستراتيجي والتفاوض على أساسها لتقرير مصير هذا الوجود!
كما أن الكاظمي لم يتعهد أو يشر الى قرار برلمانهم القاضي بوجوب إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقي. مكررا العبارة الشعبوية الفارغة "العراق للعراقيين".
3- أكد الكاظمي على ضرورة (حصر السلاح بيد الدولة عبر إجراءات حاسمة وجعله من اختصاص الدولة وليس الأفراد والجماعات)! نعم، هنا، كان الكاظمي واضحا جدا، وتكلم عن إجراءات حاسمة، فلماذا؟ الجواب، هو لأنه من رجال السفارة الأميركية، وقد جيءَ به لهذا المنصب لتنفيذ هذا المطلب أو الهدف الأميركي تحديدا، وضرب الفصائل المليشياوية المسلحة الحليفة لإيران، مع ما يستتبع ذلك من احتمالات صدام مسلح واضطرابات بين حكومته والفصائل الولائية ولسان حالهم يقول: ليقتل العراقيون بعضهم بعضا وتتفرج قواتنا عليهم ثم تجني السفارة النتائج في الختام!
وبما أن الكاظمي لا يمتلك أي خطة متكاملة لتنفيذ هذا الهدف الخطر كما يبدو، وليس بيده سوى استعمال العنف والسلاح الحكومي والأميركي، فسيكون هذا الأمر محفوفا بالمخاطر وقد يؤدي بالبلد إلى الانزلاق في اقتتال أهلي طويل ومدمر.