رأي

لا عراق قوي دون سياسة خارجية قوية

لا عراق قوي دون سياسة خارجية قوية

د. راجي نصير

 

يتفق القاصي والداني ان الدولة العراقية تعيش حالة ضعف وانعزال واضح على المستوى الدولي، لأسبابكثيرة ربما في مقدمتها ضعف الدبلوماسية العراقية، وعدم وجود سياسة خارجية واضحة المعالم.

 

من ثوابت العلاقات الدولية والدبلوماسية ان قوة الجبهة الداخلية لأي دولة تقوي من دبلوماسيتها وثقلها الدولي والاقليمي، والعكس صحيح، ولان العراق الجديد بني على المحاصصة الحزبية المقيتة، فقد ظل وضعه الداخلي قلقا وممزقا، وهو ما انعكس سلبا على سياسته الخارجية وعلاقاته الدوليةوحضوره الدبلوماسي على المستوى الاقليمي والدولي.

 

العلاقات بين الدول تقوم على مبدأين اساسيين، بحسب المختصين في العلاقات الدولية، هما التنافس والمصالح المتبادلة، ورغم ان العراق لديه ثروات نفطية هائلة وعلاقات اقتصادية واسعة مع الدول العالمية والاقليمية، لكنه لم يحسن استغلال العامل النفطي والاقتصادي الذي بات المحرك الاساس للسياسات الدولية، بل ان العراق لم يحصل على شيء يستحق الذكر من دول تصل وارداته منها 17 مليار دولار سنويا، مثلما لم يستثمر العراق ثرواته الطبيعية والبشرية، وموقعه الاستراتيجي وسط العالم القديم، وعلى طريق الحرير.

 

لأكثر من اربعين عاما ظل العراق رهين الحروب والصراعات والقمع والارهاب، ولذلك ظل ضعيفا باستمرار، يطلب الدعم الدولي، ويقدم التنازلات من اجل ذلك، ولو ان العراق توجه نحو الاعمار والبناء بدل الحروب، كما فعلت دول اخرى صغيرة في المساحة والقوة البشرية وحتى الامكانات، لنفع سكانه، وزاد من تطوره، ولتحول الى رقم محترم على المستوى الدولي.

 

عند زيارة مسؤول مهم من احدى الدول الى دولة اخرى، يسبق ذلك عادة ترتيبات تفصيلية، وحملة علاقات عامة، وربما تسريبات اعلامية مقصودة تتحدث عن ملفات معينة، او مشاريع، او دعم مالي او دبلوماسي. في العراق وزير الدفاع التركي اقدمت قواته قبل يومين من زيارته للعراق على قتل ضابطين من حرس الحدود بطائرة مسيرة، وحتى الان لم تقدم تركيا اعتذارا او حتى تفسيرا لما حصل، وزارة الخارجية العراقية استنكرت الحادث بعد يومين من حصوله!!. وزير الدفاع التركي لا يبدو مجبرا على الاعتذار وقواته منذ عدة اشهر متوغلة لأكثر من 30 كيلومترا داخل الاراضي العراقية دون فعل عراقي مستنكر!.. ولو افترضنا جدلا ان الحكومة المركزية قررت ارسال قوات لوقف الانتهاكات التركية، فهل تسمح لها حكومة كردستان بإدخال تلك القوات الى "أراضيها"!!  

النظام الدولي الحالي تحكمه شراكات وتحالفات ومحاور، ففي اي محور يقف العراق الان؟ ومن هم شركاؤه الاستراتيجيون؟ وما هي الدول الداعمة له؟. لاشي واضح حتى الان، وربما يجادل البعض بان الاستقلالية حالة ايجابية، وهنا نسأل: هل العراق مستقل فعلا في دوره وفي قراره؟ والجواب كلا بلا تردد. لان العراق لم يلعب حتى الان دور الوسيط المعتبر بين الدول، ولم يقم بمهمة اطفاء الحراق في المنطقة وهو المحترق دوما بالخلافات والصراعات.وحدوده مفتوحة للخروقات والتجاوزات والانتهاكات.

 

السياسة الخارجية للدول يضعها رئيس الجمهورية في النظم الرئاسية، او رئيس الوزراء في النظم البرلمانية، مع وزارة الخارجية وبالتنسيق مع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، الا في العراق، فالسياسة الخارجية قائمة على الاجتهادات الشخصية، واحيانا تدخل الاحزاب والتجمعات وربما رجال العشائر ايضا في التواصل مباشرة مع الدول الاخرى، دون المرور او التنسيق مع وزارة الخارجية، والتكلم باسم العراق بآرائهم الشخصية، وكم من مشكلة حصلت مع الدول الاخرى بسبب تهديدات او اتهامات صدرت من اطراف مجتمعية غير رسمية في العراق.

 

وصل الضعف في سياستنا الخارجية ان الدول هي من تختار سفير العراق لديها، وبعضهم يحمل جنسيات تلك الدول، ولذلك لم يكن مفاجئا ان يكتب مساعد السفير العراقي في احدى الدول العربية مقالا في صحفها يتهجم فيه على العراق وينعته باقذع النعوت، او ان يتظاهر موظفو السفارة العراقية في احدى الدول الاوربية، وجميعهم من مكون الوزير آنذاك، وهم يحملون العلم الاسرائيلي احتجاجا على رفض انفصال كردستان، وان سفيرة العراقية في احدى الدول الكبرى متزوجة من ضابط في مخابرات تلك الدولة، وكلاهما يحملان جنسيتها.

 

بعض السفارات لديها منظومات صواريخ في قلب بغداد، ودول اخرى يدخل مسؤولوها العسكريون ويخرجون دون موافقة السلطات العراقية، والحكومة المركزية لا علم لها بمن يدخل او يخرج من بعض مطاراتها.

 

تكرار فشل الحكومات المتعاقبة في العراق بعد العام 2003 سببه الفشل في وضع سياسات عامة وسياسة خارجية واضحة المعالم والاهداف. لابد للدولة العراقية من ان تحدد قدراتها، وتحسن استثمار الاوراق التي في يدها، ومن ثم خياراتها في بناء علاقاتها مع الدول الاخرى على اسسوطنية ثابتة وراسخة وليس على املاءات وضغوطاتوصراعات دولية واقليمية على امتلاك القرار العراقي، وعلى اساس الندية والمصالح المتبادلة، وتعزيز مكانة العراق دوليا واقليميا على ارض الواقع وليس في التصريحات الاعلامية. 

 

مقالات أخرى للكاتب