رأي
ستواجه إيران تحديا خطيرا برحيل مرشدها السيد علي خامنئي والذي بلغ الان من العمر 82 سنة، فحسب الدستور الإيراني، يجب أن يتصف المرشح للمنصب الأعلى في جمهورية إيران الإسلامية أي المرشد بعدة مواصفات أهمها الاجتهاد، العدالة، الرؤية السياسية والاجتماعية، وان يكون مدبرا ويمتلك القدرة على القيادة.
ثم ان المرشح الذي يمتلك هذه الصفات يجب ان يحصل على ثلثي الأصوات داخل مجلس خبراء القيادة (خبركَان)، هذه هي الالية الدستورية للاختيار لكن هل ستسير الأمور حتما وفقا لها؟
بالرجوع الى المرة الوحيدة التي خاضت ايران هذه التجربة أي بعد رحيل مرشدها المؤسس الامام الخميني نرى ان الامر بات مغايرا الى حد ما، فبعد وفاته، اجتمع مجلس الخبراء برئاسة علي اكبر رفسنجاني، وحدث بينهم جدل ولغط كبير، خاصة بعد ان تم طرح اسم الخامنئي، إذ قوبل باعتراض كبير، تمثل في كونه ليس مجتهداً مكتمل الأدوات الفقهية والعلمية، فحاول رفسنجاني لملمة الامر حيث أقنعهم باختياره لفترة مؤقتة حتى اجراء استفتاء عام، وطلب حينها ممن يوافق على هذا الحل المؤقت، الوقوف كإعلان عن القبول، ومضت الأمور، ولكن لم يحدث اي استفتاء فيما بعد طبعا (بالإمكان الرجوع لتسجيل هذا الاجتماع الموجود على الانترنت).
هناك عامل آخر سوف يكون حاسما باختيار خليفة المرشد في ايران أيضا هذه المرة، وهي أجواء البلد وتوزع القوى داخل ايران، فقد كان الخميني يمتلك سلطة كبيرة على الجهات المؤثرة في إيران أهمها ثقله داخل المؤسسة الدينية "الحوزة"، وفي الحكومة والشارع الإيراني من خلال كاريزما خاصة تمتع بها حتى رحيله في العام 1988، في حين بات من الواضح أن خليفته (الخامنئي) قد فقد الى حد ما التأثير على الحوزة في ايران، وظهرت بموازاته أصوات مجتهدين يختلفون معه، فضلا عن زيادة الانقسام الداخلي في عهده، وبروز متغيرات سياسية كبيرة ستكون حاسمة بشدة وهي تنامي سلطة الحرس الثوري الإيراني، إذ تشير الكثير من المؤشرات الى ان المرشد القادم يجب ان يكون مقبولا من الحرس الثوري.
ما هي الأسماء المرشحة؟
تغيرت خلال السنوات الماضية قائمة المرشحين لخلافة خامنئي، بسبب وفاة بعض الأسماء، وتلاشي حظوظ آخرين، فقد كان يتم تداول أسماء: محمود هاشمي شاهرودي، صادق لاريجاني، احمد خاتمي، مجتبى (نجل) خامنئي، وابراهيم رئيسي.
ومع خروج الأول من السباق بسبب وفاته، وتضاؤل فرص صادق لاريجاني، رئيس القوة القضائية السابق بعد اعتقال أقرب مساعديه أكبر طبري في بيته (لاريجاني) بتهم فساد، وعدم بلوغ أحمد خاتمي درجة الاجتهاد الدينية، اما مجتبى خامنئي الذي يدور كلام كثير حول تهيئته من قبل والده، فيحيطه الكثير من الغموض، فبالاضافة الى عدم وضوح درجته العلمية الدينية، إلا أنه لم يتسلم أي منصب حكومي كبير، ما يعني افتقاره الى الخبرة الإدارية، بالاضافة الى عدم امتلاكه أي حضور في الشارع الإيراني، وبذلك يظل المرشح الأخير إبراهيم رئيسي، رئيس مجلس القضاء الأعلى الايراني الحالي، هو الأوفر حظا بخلافة خامنئي.
بالرجوع للسيرة العملية لـ"رئيسي" الذي أنهى مؤخرا زيارة رسمية الى العراق استمرت لأيام، فان الرجل خاض تجارب حكومية كبيرة جدا، لعل أبرزها قبل منصبه الحالي، المسؤول عن المحكمة الخاصة برجال الدين في ايران، والمسؤول عن ملف أعضاء منظمة خلق الإيرانية المسجونين في طهران، حيث تم إعدام أغلبهم آنذاك، ما أثار سخط الكثيرين في ايران أبرزهم نائب الخميني آنذاك الشيخ حسين علي منتظري والذي خلع من منصبه على اثر هذا الاعتراض، ووضع تحت إقامة جبرية حتى وفاته في 2009، الأمر الذي جعله يصنف بالرجل القوي.
في النهاية يجب القول بأن ايران بلد يستطيع مفاجأة الاخرين باتخاذ قرارات واختيارات لم تكن في الحسبان وذلك بسبب ما اشرنا إليه، وهو تعدد مراكز القوى الداخلية ووجود تجاذبات متعددة تؤثر على اختيار مرشد جديد للبلد.