ثقافة
أحمد هاشم، شاعر تركي من أصل عراقي، ولد في العام 1887 ببغداد (أو قبل هذا بسنتين أو ثلاث)، يعود نسبه إلى مدينة آلوس في محافظة الأنبار. جاء إلى إسطنبول برفقة والده الذي كان من أعيان بغداد بعد وفاة أمه وهو في الثانية عشرة من العمر، ولم يكن يعرف وقتها غير اللغة العربية. درس في ثانوية غلطة سراي وجامعة إسطنبول، ثم عمل بعد التخرج في تدريس مادة الأدب الفرنسي بثانوية ازمير، وبعدها انتقل إلى وزارة المالية بصفة مترجم في سنوات (1912- 1914).
تميزت قصائده في البداية بقربها من الطبيعة، وظهر ذلك واضحاً في النصوص الأولى القصيرة في ديوانه "ساعات البحيرة" الصادر في العام 1921، ثم اتجه الشاعر بعدها إلى الذاتية، فكتب عن الوحدة والحب والموت وموضوعات أخرى بذائقة مغايرة، وكانت قصائد المرحلة الجديدة تتسم بالرمزية والغموض، ما جعل بعض الأقلام وقتذاك تهاجمه بحجة الابتعاد عن هموم المجتمع، وتتهمه بأنه لا يعرف الحياة التركية بشكل جيد. لكن وبالرغم من ذلك كان من المؤثرين في الشعر التركي، ويعده الكثير بانه أحد الذين شكلوا اتجاهاً ثانياً للقصيدة واعطاها عمقاً أكثر، بعد الشاعر يحيى كمال بياتلي الذي كانت قصائده تدور حول هموم المجتمع والأمة.
له رأي في الشعر كتبه في مقدمة "كأس المدام، وهو الديوان الثاني له" الشاعر ليس منادياً بالحقيقة ولا يقدم للفن كلاماً جميلاً، ولا أيضاً واضعاً للمحظورات. لغة الشاعر ليست أن تُفهم كلغة النثر، بل تُخلق حتى نشعر فيها، وتكون ما بين الكلمات والموسيقى، لكنها أقرب للموسيقى كثيراً. لا يمكن أن تكون المكوّنات المنتجة للنثر مثل الشعر. النثر هو العقل والمنطق، اما الشعر فمصدره مجهول وخارج ثنايا الأدراك، مطمور في الابهام، في الخفاء. يُمكن ان نلتقط لغة الشاعر عند الحدود شبه المضيئة للأحاسيس. ومن يُشرّح القصيدة من أجل المعنى كمن يقتل البلبل من أجل لحمه. ليس المهم معنى الكلمات في الشعر، بل قيمة اللفظ. وأن الذين يرون لغة الشعر تواصلية فأنهم ينسجون وهماً".
أصدر أحمد هاشم خمسة كتب، ديوانان شعريان هما "ساعات البحيرة – 1921" و"كأس المدام – 1926"، واثنان في الحياة والأفكار هما "وفقاً لنا – 1926" و"مصحة اللقالق والطيور المهاجرة - 1928"، وآخر في أدب الرحلات هو "كتاب السياحة في فرانكفورت – 1933".
توفي في الرابع من حزيران 1933 ودفن في إسطنبول.
انتقينا من كتابه " Bize Göre وفقاً لنا" المادة الآتية للترجمة كأنموذج من نثره، وفيها وجهة نظر أحمد هاشم السريعة عن السينما حينما كانت في بداياتها.
ينبغي التذكير أن هذه الكتابة سوى إشارة سريعة، على أمل العودة في مادة واسعة وشاملة تتناول حياته ومنجزه الأدبي مستقبلاً. كما تهدف أيضاً إلى جعلها نقطة يمكن أن ينطلق منها المهتمون في تتبع مسار هذه الشخصية أو شخصيات أخرى في الأدب التركي، ولاسيما تلك الأسماء المضيئة التي يجهلها قراء العربية.
السينما
"أذهب إلى السينما كلما وجدتُ فراغاً. لم يكن جسدي هو الذي يدفن في العتمة الناعمة ولا هو المصغي لصوت الماكينة، أشعر أن المكان يزود روحي بفسحة من الراحة على طريق وعر. الظلمة كسرة من الموت، لذا فهي كالمهدئ. راحة كبيرة، وما هو الوصف بعدم اللقاء بالضوء مرة أخرى والغوص في بحر معتم؟.
وظيفة السينما أنها تستبدل المنطق الصارم والمؤلم كالشوك في جمجمة الفرد الناضج بآخر فيه قابلية الخداع بسهولة والتصديق كالطفل. من العجائب التي بلا نكهة لأشخاص حمقى يسقطون وينهضون ويتشاجرون ويركضون في شاشة شبيهة بنافذة سحرية مفتوحة في عالم حلمي، أو فرسان الكابوي، أو حوادث السرقات غير الاعتيادية. هل من الممكن أن نأخذ متعة من كل ذلك؟ لا يزال عمل الكاتب بلا قيمة تذكر في الادب السينمائي الذي يتغذى من سذاجة الانسان. تلك الدموع المزيفة والمتدفقة من عيني المرأة الجميلة ورموشها المنتصبة كالسهام بفعل المسكارة المتحركة، والرجل الذي لا يترك قبعته وعصاه وهو في الغرفة، يجعلان المرء يبكي من الضجر وليس من الحزن.
طالما بقيت السينما تسلية لعين بريئة لا تسأم فأنها ملاذ مفرح لرأس متعب. إنها بمثابة ترنيمة جميلة، موسيقى بسيطة، فيها الظلمة التي تُوصل بطراوة الطفولة وكل روح فقدت المتعة. وأنا مدين إلى عتمة السينما الناعمة بوساداتها الشبيهة بالحرير خلف رأسي، في منامات كانت الأجمل والأكثر سكينة".
* أخذت تفاصيل حياة الشاعر، والمادة المترجمة بين الأقواس من كتبه وموقع Türk Dili ve Edebiyatı