أعمدة رئيسية
في رائعته الشهيرة (سنة موت ريكاردو ريس) ينقل لنا البرتغالي الكبير "جوزيه ساراماغو"، نص عبارة لوزير في عهود البرتغال الملكية القديمة، والتي مؤداها: ما حاجة الفقراء إلى الكهرباء؟ اليد التي تمتد، في الظلام، بكسرة الخبز إلى صحن الحساء، ستجد طريقها، عائدة، إلى الفم! فعلاً؛ ما حاجة الفقراء إلى الكهرباء؟! ما حاجة من ينتظر القتل، شر قتلة، بمفخخة أو بكاتم صوت، إلى ترف كهذا؟ ألا ينبغي له - أولاً - التأكد من فرضية بقائه، حياً، حتى صبيحة يومه الأغبر، التالي؟ مترفون هؤلاء الفقراء؛ نشتري لهم حتى الفجل والتمر وقناني شرب المياه، ويطالبوننا بكهرباء وصناعة وزراعة وموانئ وماء صالح للشرب. ما حاجتكم لدوخة الراس؟ دعوا دوخة راس السياسة لنا، وناموا، أنتم، رغدا. أما من يُقتل منكم، فهي مشيئة الله؛ هل نشتري لكم، بأموال نفطكم، مشيئة رب سواه؟ تعالى الله عما تصفون. اللهم ارفع عنهم نعمة النفط، فهم قوم جاحدون. كونوا، رعاكم الله، كصاحبكم البدين الذي خرج علينا في تظاهرة مباركة، في ساحة الفردوس، قبل شهور، من الآن، رافعاً راية بيضاء، كُتب عليها بدمه الطاهر: لا نريدو نفطٌون ولا كهربائو، نريد ماءن ودواءو. هذا رجل ذكي، قنوع، ابن عائلة طيبة، استوعب، برغم أغلاطه الإملائية الفاضحة والمخزية، طبيعة ما يراد منه. وفرنا لكم الدواء حتى في سوق مريدي! والماء نجلبه إليكم في صناديق نظيفة ومعقمة. ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ تبكون جفاف نهر دجلة! نعم؛ نعلم أنه سيتحول، في غضون 15 عاماً، إلى مجرد "بوري" قبيح بين كثيبي رمل، ولكننا نعدكم بالضغط على تركيا لإبقاء المياه جارية فيه. أما الفرات الملعون - فرات كربلاء - فلا سبب يدعوكم للبكاء عليه؛ هذا نهر تحته جبل من ذهب "يطم" صناديق الأولين والآخرين. وصناديقكم - بالطبع - أولى به. أم تراكم، يا حياله يا ملاعين، تريدون منا ملء صناديقكم منذ الآن، من ذهب نسائنا؟ صحيح أن ما لديهن منه يكفي لملء صناديقكم وصناديق "اللي خلفوكم"، لكن الواحد منا مخه براسه، يعني لازم يتأكد - أولاً - من وجود جبل الذهب. هو الذهب صحيح موجود، مليون بالميه موجود، ولكن شوكت يجف الفرات؟ ذلك هو السؤال الذي ننتظر، مُسهدين، فجر الإجابة عنه. وبعد؛ ماذا تريدون أيضاً؟ طمع ودلال العراقيين لا يقف عند حد: أقمتم الدنيا ولم تقعدوها بسبب شوية زيادة مخصصات لنواب مجلس النوام! أليس من حق النائب ترشيق بدنه بدراجة هوائية؟ ألن يسلم منكم السيد القائم القاعد النائب الناعب النائم! لا بكرش ولا بدونه؟ بأي شيء، إذن، يواجه السيد النائب هجوم لحوم وشحوم الولائم على شرايينه! إن لم يك بممارسة الرياضة؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله: شعب ديدنه الظلم، وحكومة مؤمنة مظلومة. وأخيراً: ما تقدم، أعلاه، عزيزي القارئ، هو غيض من فيض خطاب جياع أُتخموا بسلطة ليسوا أهلاً لتحمل مسؤولياتها، حيث بلغ هذيانهم المتغطرس حداً، تشعر معه وكأنك تشاهد فيلماً صينياً مترجماً إلى اللغة السنسكريتية، بعض أبطاله أشباح، وبعضٌ دمى تحركها إرادات خارجية. هل بتنا نتحدث اللغة نفسها؟ أشك في ذلك، شكي بوجود جبل الذهب في نهر الفرات.