رأي

كورونا في العراق.. بين الاجراءات الصحية والمواقف الشعبية

كورونا في العراق.. بين الاجراءات الصحية والمواقف الشعبية

د. خليل الناجي

اتابع المواقف الشعبية في العراق منذ الإعلان عن ظهور وباء كورونا خلال شهر كانون الاول من العام ٢٠١٩ بمدينة ووهان الصينية، حيث تعاطى الشارع العراقي مع الاخبار الواردة من هناك باتجاهين، الاول كان مبالغاً جداً بخطره لدرجة انه تم تداول فيديوهات مرعبة لم تتأكد صحتها، ادعى ناشروها انها لمرضى كورونا في الصين، اما الآخر فكان يشكك بوجود شيء اسمه (كورونا) ويعتقد انه جزء من الحرب النفسية ضد المجتمعات المسلمة، وبين هذين الاتجاهين كان المواطن العراقي في حيرة من أمره!!

 

وبعد ظهور الفايروس في العراق وتصاعد اعداد الاصابات برزت مواقف غريبة جداً، فالبعض دعا لعدم مراجعة المستشفيات واعتبارها مصدراً اساسياً لنشر المرض وشجع الناس على البقاء في منازلهم وتلقي العلاجات الخاصة، وذهب البعض الآخر الى ادعاء عدم وجود المرض اطلاقاً وادّعا انه جزء من الصراع السياسي في العراق بل وحرّض المواطنين على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وعدم الالتفات الى توصيات الجهات المختصة، الى أن حلّت الكارثة وبدأت اعداد المصابين والمتوفين تزداد باضطراد، واصبح الجميع امام حقيقة المرض الخطير والقاتل.

 

وبعد جهود دولية حثيثة وتوصل الشركات العالمية المعروفة لعدد من العلاجات واللقاحات الخاصة بالمرض تجددت المواقف السلبية ايضا، فنهى بعض الطارئين على العلم عن اخذ اللقاحات واعتبرها مؤامرة دولية لتحويل المسلمين الى جثث متحركة لا وعي لها (زومبيات) وصدقهم الكثير للأسف الشديد وامتنعوا عن اخذ اللقاحات في وقت كان يفترض فيه ان تتضافر جميع الجهود لحث الناس على التوجه للمراكز الصحية واخذ اللقاحات الخاصة بهذا الوباء الخطير.

 

اما الان وبعد ان وصلت الأمور إلى مستوى خطير جدا وامتلأت المستشفيات بالحالات الحرجة وازدادت الوفيات بشكل كبير أصبح الجميع امام حقيقة مرّة للغاية وهي ان هذا المرض ليس وهماً ولا مؤامرة ولا كذبة وان توصيات الجهات الصحية المختصة كانت ولا زالت تنشد الحفاظ على سلامة المواطنين وتجنيبهم خطر هذا المرض، وان مراجعة المستشفيات واتباع الإرشادات الخاصة وعدم التهاون مع المرض ضرورة لا بد منها للتقليل من خطره، وان تلقي اللقاحات الخاصة بالمرض ليس اجراءً ترفياً ولا مزحة ولا مؤامرة بقدر كونها خطوة مهمة للوقاية من هذا الوباء الفتاك.

 

أعتقد ان مكافحة هذا الوباء لا ينحصر بالسلطات الصحية فقط بل ان المواطن يُعد ركيزة أساسية من ركائز المواجهة ومالم ياخذ دوره الحقيقي على مستوى الاستجابة للارشادات الصحية والتباعد الاجتماعي واخذ اللقاحات وتوعية المقربين منه سيبقى العراق والعراقيون في دوامة الوباء لفترة طويلة قد تمتد لسنوات، وارى ان المسؤولية الاكبر الان تقع على عاتق وسائل الاعلام والشباب الواعي والمثقف لتنظيم حملات توعية لحث المواطنين لا سيما في المناطق النائية واطراف المدن على ضرورة مراعاة الظروف الصحية للبلد والالتزام بتوصيات السلطات المختصة، وإلى جانب ذلك ارى أيضاً ان الاجهزة الامنية يقع عليها جزء كبير من المسؤولية لمنع التجمعات البشرية التي تمثل السبب الرئيسي لانتشار هذا الوباء.

مقالات أخرى للكاتب