رأي
يذكر المؤرخون أن الفترة الفاصلة بين معركة ذي قار، التي انتصر فيها العرب في الجاهلية على الفرس سنة 615 م، ومعركة القادسية الأولى 636 م، التي انتصر فيها العرب المسلمون ايضاً على الجيش الساساني، استغرقت 21 عاماً، لتنتهي بعد ذلك إمبراطورية الفرس القديمة.
مقولة أن التاريخ يكرر نفسه، وهذا ما يدعونا إلى المراجعة التاريخية بين المعارك الكبيرة التي وقعت قديماً وحديثاً بين الفرس والعرب. يتشابه المشهد الجيوسياسي بدرجة كبيرة بين ما كان يحدث في المنطقة التي يتشارك فيها العرب والفرس في فترة ما قبل الإسلام وبعده. وحديثاً مع ظهور إيران كدولة صفوية قوية، ومن ثم قاجرية لا تخفي أطماعها في المنطقة العربية، كلها كانت مقدمات تمهد لحدوث معارك بين العرب والفرس من جديد من منظور طائفي عرقي، وهي فترة تشبه بدرجة ما تفوق إمبراطورية الفرس القديمة وهيمنتها على العراق قبل الإسلام.
ومع اندلاع الثورة الإسلامية في ايران بنهاية عقد السبعينيات، أصبح الصراع أكثر ظهوراً من ذي قبل، فبدات الحرب بين العراق وإيران بسلسلة طويلة من المعارك استمرت ثماني سنوات، كانت إيران تنتظر أن تكون هذه الحرب حاسمة وتضم العراق الى الثورة الإيرانية وينجح مشروع تصدير الثورة، وفي نفس الوقت كان العراق ينظر لهذه الحرب حربا حاسمة منتظرة، يتوقع لها أن تكون قادسية ثانية، على غرار قادسية عمر بن الخطاب، لكن كما يبدو ومن خلال المراجعة لما تمخض عن كل الحروب بين العرب والفرس، نكتشف أن العراق قد يكون أخطأ في التسمية عندما اطلق عليها قادسية 2، كان الأولى به أن يسميها بمعركة ذي قار، لأنها أكثر تشابهاً من حيث التاريخ والوقائع والجغرافية مع ذي قار الأولى، وهذا ما اثبتته الفترة التي جائت بعد حرب الثمان سنوات. معركة يتطابق فيها المكان، ويختلف فيها الزمان والظروف.
استمرت معركة ذي قار يومين، ليسجل التاريخ أول نصر معنوي للعرب على العجم، واستمرت القادسية الأولى أربعة ايام وثلاث ليال، انتصر فيها المسلمون على الدولة الساسانية، وقضوا على امبراطورية الفرس نهائياً، بينما استمرت حرب الثماني سنوات وقتاً طويلاً، لتعلن نصراً عراقياً عربياً غير حاسم، مشابهاً لنصر العرب على الفرس في معركة ذي قار قبل الإسلام، أما المعركة المنتظرة، والتي يمكن للعرب أن يقارنوها بالقادسية الأولى، فهي لم تحدث، ويتوقع العالم وقوعها في اي لحظة، لأن ما يحدث الآن على المسرح الجيوسياسي العربي، هو مقدمة لوقوعها.
في الترتيب والتطابق، هناك اوجه تشابه كبيرة بين معركتين عظيمتين، حدثتا قبل بعثة الرسول الاعظم، وبعد وفاته عليه افضل السلام، وبين معركتين في العصر الحديث إحداهما حدثت وهي حرب الثمان سنوات وأخرى ينتظر حدوثها ووقتها غير معلوم، التي ربما تكون مرادفة لمعركة القادسية الأولى.
اولى تلك التشابهات بين معركة ذي قار وحرب الثمان سنوات، ان الجيش الفارسي في معركة ذي قار كان يضمُّ قبائل تغلب وإياد العربية، وهذا ماكان موجودا في حرب الثماني سنوات أيضاً، فقد كانت كل من سوريا وليبيا تساند إيران، يضاف إلى ذلك أن الجيش الإيراني ضمُّ الكثير من أبناء القبائل العربية من العراق.
ثانياً؛ ان الدولة الفارسية في معركة ذي قار كانت متحالفة مع الدولة البيزنطية، وفي حرب الثماني سنوات، تحالفت ايران أيضاً في السر والعلن مع الغرب، ومن جهة أخرى وقفت دول الخليج واليمن والاردن ومصر مع العراق، أي إن العرب انقسموا بين الدولتين المتحاربتين.
عندما أطلق العراق التسمية لمعركة الثماني سنوات (بالقادسية) كان متوقعاً لها أن تكون حاسمة كالقادسية الأولى، لكن ما حدث إن حرب الثمان سنوات لم تكن حاسمة ولم يتمكن العرب المسلمون من التغلب على الفرس المسلمين بمعركة حاسمة ومشابهة لمعركة القادسية الأولى، بل جاءت أحداث تلك المعركة مشابهة لمعركة ذي قارالتي سجلت نصراً للعرب على الدولة الساسانية، لكنه لم يكن حاسماً.
لا يمكن فهم، أن يسمي العراق معركة الثماني سنوات بالقادسية، فهذا المسمى جاءَ غير متوافق مع الأحداث السابقة للمعركة والمصاحبة لها واللاحقة لها.
لو سميت بذي قار لكان هناك تطابق تاريخي بين المعركتين، وذلك للاسباب التالية؛ القادسية الأولى رسخت أوتاد الاسلام ونشرت الاسلام في مختلف الأصقاع، وكان جيشها يقاتل باسم الاسلام، بينما القادسية الثانية لم تنه ايران، بل على العكس فان إيران أصبحت أقوى بعد تلك المعركة، ولم يستطع العراق أن يستفيد من نصرهِ الميداني، والعراق في معركة الثمان سنوات، لم يقاتل باسم الإسلام، بل إنه كان يقاتل دفاعاً عن سيادة وحياض الوطن (كما يدعي)، ولا علاقة له بالإسلام، الا من حيث الشعارات والبيانات التي كان يستخدمها الطرفان، بل حتى ايران التي كانت تحكم بأسم الجمهورية الإيرانية الاسلامية، لم تكن تخفي شعاراتها القومية، بالمحصلة فأن الإسلام لم يجن أية فائدة مادية أو معنوية من تلك المعركة.
اما ما يدعونا الى رفض تسمية حرب الثماني سنوات بالقادسية، فذلك بسبب ان الفرس ما زالوا يسودون، ويتمتعون بالقوة والهيمنة على المنطقة، في حين قضت معركة القادسية الأولى على نفوذ الفرس وأخرت ظهورهم مرة ثانية لعشرة قرون.
وهناك تباين آخر مهم، وهو إن الفرس في ذلك الزمان كانوا يعبدون النار ولم يكونوا مسلمين، بينما ايران الآن، هي دولة مسلمة، تقلبت بين المذهب السني والشيعي، بعد نهضتها من كبوة القادسية الأولى، لذا فأن القادسية الثانية لم تقع إلى حد الآن، ويتوقع لها ان تحدث في هذا الزمان، ولن تكون بنفس الفارق الزمني القصير لمعركة ذي قار والقادسية الأولى، الذي وقعت فيها المعركتان خلال العهد الأول من الإسلام، والتي استغرقت 21 عاما.
يبقى هناك سؤال حول من سيحارب الإمبراطورية الإيرانية الجديدة، وهل ستظهر دولة قادرة على الوقوف في وجهها، أم أن الأمر سيتطلب عشرات السنين؟ وهنا فان من يعتقد أن تركيا ستدخل في حرب مع ايران، فهو مخطئ، لأنها في عز الدولة العثمانية، لم تحارب الفرس حرباً حقيقية، وهي تعتبرهم من نفس العرق، ودائماً ما تفضل التفاهم والتشارك معهم، في تقاسم المنطقة العربية، على الرغم من اختلاف المذاهب.