رأي

العقد الطائفية في العراق

العقد الطائفية في العراق

محمد عايش عبداللطيف الكبيسي

 يعتقد الكثير أن الخوض في هذا المضمار مصيره الفشل، لأن الطائفية في العراق والمنطقة موجودة منذ اكثر من ألف عام، ولم تستطيع كل الحروب والفتوحات والثورات والإنقلابات والإحتلالات  والأفكار والمدارس الفقهية والعقائدية من القضاء عليها.

 

دائماً ما كان هذا الاعتقاد، رغم واقعيته بنسبة كبيرة، يؤدي الى حالة من اليأس والخذلان داخل مجتمعاتنا، ويبعث برسائل سلبية من إننا سنبقى الى يوم الدين نتصارع بإسم المذهب، وإنّ الغلبة ستكون ايام للسنة وأيام للشيعة،  ونبقى ندور في نفس الدوامة.

 

اذا بقت هذه الحالة مسيطرة على عقول الجميع، ستتعقد المشكلة أكثر وأكثر،  لكن إذا تجاوزنا هذا الإعتقاد وبدأنا كمسلمين مرحلة جديدة من التحاور العميق يُمكننا من أن نقنع بعضنا البعض، سنعود بكل تأكيد مسلمين بمسمى واحد جامع لا يفرق بين شيعي وسني.

 

 وعودٌ الى بدء، من الصعب جداً أن نقول إننا تجاوزنا الطائفية بمجرد إن الحرب الداعشية إنتهت وإن التفجيرات توقفت وأن الاختطاف والقتل على الهوية  تقلص الى ابعد الحدود.

 

وضعنا الحالي يُمكَّننا القول "إننا تجاوزنا الخطوة الأولى من الطائفية والتي جائت نتيجة أخطاء وأوهام مخزونة في داخل اللاوعي السني والشيعي، وما زال هناك خطوات أكثر أهمية منها، وأهمها العوامل والحواجز النفسية التي تُثار في داخل معظم مواطني الطوائف". يُمكن لنا أن نفتخر  بتجاوز خط شروع القضاء على الطائفية، حالما ينتقد الشيعي السني ولا يعترض السني أو يتقبل ذلك بدون شك بنوايا المقابل، والعكس صحيح.

 

اليوم مازال هناك الكثير من الحواجز التي تتمحور وتحيط حول المفهوم اعلاه، تجد الشيعي يعترض بقوة ضد الطبقة الحاكمة الشيعية ويُحَّملها مسؤولية الدمار الذي لحق العراق، لكن عندما يأتي دور السني في توجيه الإنتقاد للطبقة الحاكمة، فأن هذا الإنتقاد يواجه بتحفظ كبير وفي بعض الأحيان معارضة علنية، ومن نفس الطبقة الشيعية التي تنتقد الحكام الشيعة، و يحدث ذلك مع السنة فهم يقدحون قادتهم بمختلف التهم، ولكنهم لا يرضون إنتقاد الشيعة لقادتهم وبنفس المنوال السابق، وردود افعالهم تتمثل بعدم الرضا والتحفظ على ما يقال ضد ممثليهم ويعتبرونها انتقاصاً وإستخفافاً، وتعمد شيعي بتوجيه التهم للسنة والابتعاد عن اخفاقات الشيعة.

 

هذه العقدة السيكولوجية، التي ربما يعتبرها الكثير على إنها عقدة عادية، ولا يعيرون لها أهمية، فهي في الحقيقة مفتاح للكثير من العقد الفقهية والعقائدية التي يشتبك فيها المشهد السني الشيعي، وهي ايضاً في جزأها  الكبير غير ظاهرة، لكنها في الحقيقة عقبة رئيسية امام كل محاولات الإنصهار وكسر الحواجز بين السنة والشيعة.

 

تهذيب النفوس وتطويعها يحتاج مصلحين كبار تقترب مكانتهم من مكانة الأنبياء والرسل، يتصدون لمهمة تهذيب وحل العقد النفسية ويطورون الحلول لها، ويكونون أكثر جرأة في نقد الذات وقبول نقد الآخر، بل ليس القبول به فقط وإنما العمل على التصحيح والتغيير اذا استوجب ذلك، وإلا فأن كل الطرق الأخرى سواء كانت أمنية عسكرية أو سياسية إعلامية ستجد في طريقها الفشل، ولا يمكن لها أن تقضي على الجمود النفسي وتذيب جليد الشتاء القاسي.

 

السؤال الأخير، أين المُصلِح وما هو دوره في هذه الزحمة والفوضى التي تشهدها المذاهب الدينية في المنطقة سواء الإسلامية أو غيرها؟ 

 

مؤكد،  هم موجودون وبمستوى عالي ومن كل الأطراف، لكنهم محجوبون عن العامة، حتماً سيجدون يوماً الطريق المناسب الذي يَقبل خطواتهم ومسيرهم.

مقالات أخرى للكاتب