رأي
قبل سرد العوامل والمؤهلات التي تمتلكها الصين، من أجل احتمالية أن تصبح الدولة الأولى تأثيراً في قارة أسيا، يجيب المقارنة بينها وبين الدول المنافسة لها في اسيا، من ناحية المساحة الجغرافية والقوة العسكرية والإنتاج الاقتصادي والدبلوماسية وطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف شمال الأطلسي الذين يمثلون خصوم للطموحات الصين عالميا.
موسكو منافس للصين
في حالة الاطلاع على المنافس الاول من الناحية الجغرافية والإنتاج الاقتصادي والقوة العسكرية فهي روسيا.
جغرافياً، روسيا تتربع على مساحة 17 مليون كم مربع تفوق مساحة جمهورية الصين الشعبية البالغة 9 مليون كم مربع. الا ان موسكو تعاني بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من ترهل في حماية حدودها خاصة تلك التي ترتبط مع أوروبا، فهي تزعم دائما بأن أمنها القومي في خطر بفعل "أوكرانيا وجورجيا " وتمدد الناتو في دول الاتحاد السوفيتي السابق " أوروبا الشرقية" لعدم سيطرتها عليها بفعل التحرك الأمريكي وتهديدها بفرض عقوبات قاسية غير مسبوقة حال احتلال روسيا لأجزاء من أوكرانيا او أوكرانيا بأكملها.
لكن في الاونة الأخيرة ومع اشتدد ازمة أوكرانيا يرى العديد من الخبراء في حال توصل أمريكا والناتو وروسيا الى تسوية، فان هذا قد يحيد الروس من الارتماء في الحضن الصين، وهذا ما يجعل الصين وحيدة في الهيمنة على اسيا.
رغم أن روسيا لازالت تقف الى جانب نظام بشار الأسد ـ سوريا ونجحت في الضغط على واشنطن و ادى الى الانسحاب الجنود الامريكان نهائيا من شمال سوريا. ما جعلها تتفرد الى جانب ايران في الساحة السورية.
بما ان روسيا تلتقي مصالحها مع الصين في التنافس مع الولايات المتحدة والغرب. لكن على المدى الطويل تخشى روسيا من تعاظم القوى الصينية وهي بالفعل قوى اقتصادية منافسة للاقتصاد الغربي ـ الامريكي وتزيد عن القوة الاقتصادية الروسية ربما ضعفين او ثلاثة اضعاف.
ملف كازاخستان
لهذا نجد ان هناك نوع من المساواة "التسوية" ومفاوضات تحدث بين موسكو من جهة وواشنطن والغرب من جهة اخرى وباعتقادي في حال استطاعت موسكو ان تفرض مخاوفها الأمنية على امريكا وأوروبا " عدم انضمام دول أخرى في الشرق الأوربي الى حلف الناتو" فان هذه التسوية تجعل موسكو تسمح بان تأخذ دور الصين نفسها. ويبدو ان هذه التسوية المحتملة بين الغرب وموسكو فيها قابلية لتعاظم الدور الروسي على حساب الدور الصيني وتحييد بكين.
وقد شهدنا في أيام الماضية الازمة في كازاخستان وكيف دخلت موسكو عسكريا مع حلفائها بعنوان " منظمة الامن الجماعي". دون أية ردت فعل غربية او أمريكية حول ذلك، والحقيقة نستنتج من ذلك بان تعاظم الدور الروسي في كازاخستان يعتبر سد في وجه مشروع الحزام والطريق الصيني لان هذا الخط يمر عبر كازاخستان أولاً لان كازاخستان دولة لها جغرافية استراتيجية.
نمو بيع الأسلحة الصينية في الشرق الادنى
بعد استقتال الولايات المتحدة الامريكية الواضح لجلب ايران الى طاولة المفاوضات والعودة الى الاتفاقية النووية معها ورغم الصعوبات في المفاوضات فانا اتفاقية مؤقتة قد تنجح حسب رأي الخبراء، ما يشي بقوة هذه الاحتمالية توجه دول الخليج الى شراء أسلحة من الصين وما يعني ان الخلجيين لم يثقوا بشريكهم الروسي ـ الأمريكي وربما يستشعر الخليجون نوع من التماهي الروسي ـ الأمريكي في هذا الملف وما دعائهم الى إيجاد شراكات عسكرية جديدة مع الصين وفرنسا " صفقة طائرات رافال " . وتحدثت صحف أمريكية عن مشروع قاعدة عسكرية صينية في الامارات وأيضا صفقة صواريخ سعودية بيعا وانتاجا في الأراضي السعودية.
وهذا يعني اننا سنشهد في هذا العقد في السنوات المقبلة تناميا لبيع الأسلحة الصينية لدول الشرق الادنى وخاصة شركاء الولايات المتحدة الامريكية الذين لم يعودا واثقين في سياسات الولايات المتحدة التي بدأت تتخبط بدء من فترة حكومة أوباما ومرورا في إدارة ترامب وانتهاءً بأيدين التي يعتبرها الكثير من الباحثين هي ولاية أوباما رقم 3 .
الصين: المنافسون الاسيويون
اما الدول الأسيوية كاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والهند فهؤلاء يصنفون منافسون وخصوم بالنسبة للصين. اذ ان التنافس معهم ليس جغرافيا او عسكريا وانما التنافس مرتبط "بالإنتاج الاقتصادي ومخاوف أمنية" باستثناء الهند التي يمكن ان تكون خصما قويا للصين لكونها تمتلك مؤهلات مشابهة الى الصين من ناحية العدد السكاني والنمو الاقتصادي والتطور التكنلوجي. وما يميز الصين عن تلك الدول فهي تمتلك "وفرة اليد العاملة بفعل حجم سكانها الذي بلغ أكثر من مليار بشراً وقدرتها التكنلوجيا المتطورة التي ساعدها في توسيع افق توريد البضائع الى الولايات المتحدة الامريكية اخذين بعين الاعتبار حجم العجز مع الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموما، وهذا ما لا يمكن ان تتفوق به اية دولة في اسيا. رغم صعود بعض النمور الأسيويون فانه حتى اليابان وكوريا الجنوبية لا يمكنها في مواجهة الصين كون الصين متحالفة مع كوريا الشمالية التي تمتلك أسلحة بيولوجية.
رغبة صينية في الهيمنة على أسيا القريبة
تنتظر الصين الفرصة المنافسة لإعادة تايوان الى السيادة الصين وتظهر الصين نيتها العلنية للقيام بذلك كما قال رئيس الصين من احدى مهامه الأساسية هي إعادة تايوان الى حضن الصين.
ويرى خبراء في حال تمكنت روسيا من احتلال أوكرانيا او جزاء منها فان الصين ستنضم تايوان لها في اليوم التالي. رغم القوة الصينية هذه ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية الى تحالف جديد مع بريطانيا وأستراليا بعنوان تحالف الثلاثي أوكوس " صفقة الغواصات المعروفة " الذي أدى الى نوع من فتور في العلاقات بين أوروبا وامريكا خاصة مع فرنسا . لكن بعد تنامي ازمة أوكرانيا فان أوروبا تجد نفسها مضطرة الى العودة الى الحضن الأمريكي بسبب التهديدات الروسية وهذا ما سيجعل الغرب في صف الولايات المتحدة الامريكية أيضا بالضد من الصين.
خطة الصين الحزام والطريق "خط الحرير"
ان مشروع الحزام والطريق الصين ليس مكترثا في اسيا بقدر الذي تريد الصين من خلاله بسط نفوذها الاقتصادي على العالم اذ انها تريد ربط اسيا في أوروبا وشرق الادنى وخلال علاقتها الاقتصادية الكبيرة مع الولايات المتحدة وباقي دول الغرب فان الصين تكون المهيمنة اقتصاديا بعد ان نجاح هذا المشروع. وقد ذكرنا مسبقا ان الدخول الروس مع مجموعة حلفاؤها الى كازاخستان ومسعى الولايات المتحدة الامريكية بالعودة الى الاتفاق النووي مع ايران ومشروع الاتحاد الأوروبي "بوابة العالم" لمواجهة مشروع الصين "خط الحرير" و حال نجاح هذه المشاريع المذكورة فانه يمكن تقويض الصين و اضعافها في اسيا.
الختام: في حال نجاح الولايات المتحدة واوروبا بالتوصل بتسوية مع روسيا وعودة ايران الى الاتفاقية النووي فان هاتين المسائلتين ستحيد الصين من حيث انها ستفقد شركها كإيران وكذلك ستكون في مواجهة النفوذ الروسي الذي سينسجم مع أوروبا في مشروعها" بوابة العالم" وعلينا عدم نسيان وجود السيل الشمالي الروسي الذي يمد أوروبا بالغاز، كل هذه العوامل في حال نجاحها سيمكنها من تقويض المشروعات الصينية في الهيمنة على اسيا والعالم.