رأي
جاءت نتائج الانتخابات مغايرة للتوقعات، حيث سجلت تراجع لقوى شيعية وتقدم لبعضها مما أفرز خارطة تحالفات جديدة وغير مألوفة على الساحة، وفي محاولة لتقديم رؤية جديدة لإنقاذ العملية السياسية وتجربة الإسلام السياسي في العراق، التي شهدت إخفاقا كبيرا في حكومات التوافق والشراكة، طرح السيد الصدر مشروع الأغلبية السياسية الحاصلة على أعلى عدد من المقاعد البرلمانية وانضمت لتحالف الصدر قوى سنية وكردية، وفي خارطة الاصطفافات الدولية يتم توصيف هذه القوى بالحليفة لتركيا، رغم أن التيار الصدري، عرف بمناهضة التدخلات الخارجية وحمل شعار لا شرقية ولا غربية لإبداء رفض قاطع من وجهة نظره للتدخلات الإقليمية والدولية، بينما انضوت القوى الشيعية الأخرى في الإطار التنسيقي بالوقوف بالضد من تحالف الصدر الثلاثي واعلنت رفضها بناءً على عدم وجود توازن للمكون الشيعي فيه، وهو ما اعتبرته تجاوزا على حق المكون.
قدم الصدر عروضا لضم أجزاء من الإطار، واضعاً شروطا محددة للمشاركة فيه، منها محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة واسترجاع الأموال المنهوبة من المال العام، وقد تكون هذه الشروط صعبة التحقق واقعا، لكن الموافقة عليها تمثل حسن نوايا وتقديراً لمطالب الشعب، وسبق أن وقعت أغلب الكتل قبل خوض الانتخابات على وثيقة تتعهد فيها بالمضي في تحقيق هذه الشروط باستثناء زعيم دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي المقرب من إيران وحليفهم الأوفر حظاً بعد التغييرات التي اتخذتها ايران باستبعاد السيد هادي العامري الحاصل على 14 مقعد في انتخابات 2021، كما ويعتبر العامري من اقرب القادة الشيعة للصدر، واجريت بينهما عدة لقاءات وتفاهمات بشأن الانضمام للتحالف الثلاثي، الا أن ضغوطا سياسية كبيرة تعرض لها العامري وقواته في منظمة بدر في منطقة ديالى ادى الى مواجهات امنية وإثارة لمشاكل في قطاعاتهم الممسكة بالأرض في تلك المناطق مما أسهم بتراجعه عن خطوته وفي واقعة اخرى جرى تصفية بعض اهم قيادات قوات بدر وآخرها حادث وفاة نائبه عبدالكريم الانصاري في حادث قيل انه مدبر، إذ بات من اللافت أن تكون هناك إرادة تسعى لعدم دخول تحالف الفتح المكون من عدة فصائل شيعية لانقاذ وطن.
بالمقابل ان اصرار السيد الصدر على استبعاد المالكي ثاني اكبر القوى الشيعية الفائزة بالانتخابات لم يكن قراراً مدروساً بعناية من ناحية التكتيك السياسي بل هذه الخطوة اسهمت بتماسك الإطار التنسيقي وجعلت المالكي لاعبا سياسيا أساسيا، وهو حليف مهم لايران ويعطي ثقلاً للتوازن الاقليمي المطلوب في العملية السياسية العراقية، وقد توقع المالكي عبر لقاء متلفز تشكيل الحكومة في الشهر السادس وهي ذات الفترة المتوقعة لحسم مفاوضات الملف النووي الايراني الذي يواجه تلكؤا يبدو انه مرتبط بقضايا اقليمية مهمة منها نتائج انتخابات لبنان وانتهاء الحرب في اليمن، واذا تابعنا السلوك السياسي للسيد المالكي ومقارنته فيما اذا بقى بجبهة المعارضة نجده لا يقل خطورة عما ان كان داخل الحكومة او جزء من تحالف انقاذ وطن، ولهذا قد يحقق انضمام المالكي صاحب الـ٣٣ مقعدا انفراجا بازمة الانغلاق السياسي ويحقق توازن للمكون الشيعي داخل التحالف، كما ويعتبر ممثلاً لبقية قادة الإطار الذين سيتوجهون للمعارضة ومشروع الأغلبية سيحافظ على مكتسباته، وهذا الحل هو الأقرب للمضي بإتمام المستحقات الانتخابية وعدم اللجوء الى اعادتها، فبعض الشر أهون.