رأي

الإيزيديون.. إبادة في القرن العشرين

الإيزيديون.. إبادة في القرن العشرين

ساهر ميرزا

منذ قرون وأتباع الديانة الايزيدية يتعرضون إلى أبشع الجرائم والابادات الجماعية بسبب عقيدتهم المختلفة ولأنهم ديانة قديمة باقية على نهجها القديم وتؤمن بالله الواحد القهار، منذ تأسيس الدولة العراقية وكتابة دساتيرها دون الرجوع إلى إتباع الديانات الأخرى مثل الأيزيدين والمسيحيين والمندائيين والبهائيين والكاكائية والزرادشتية منذ ذلك الحين تم تهميش الاقليات الدينية العراقية وحرمانهم من أبسط الحقوق وإلى يومنا هذا تلاحقهم عواقب تلك القوانين التي هي تحت شريعة دين الأغلبية، منذ انطلاق حملة العودة إلى الإيمان، غالباً ما يشار إليها اختصاراً باسم الحملة الإيمانية، كانت حملة أجراها حزب البعث العراقي، اعتباراً من عام 1993، لاتباع أجندة إسلامية أكثر محافظة اجتماعياً وعلنياً حسب تفكيرهم، وانطلقت في حينها تسميات واشاعات مشوهة عن الكثير من الديانات لا سيما الديانة الايزيدية وبدأ ظهور الصور النمطية عن الديانات المختلفة من المسلمين وكانت قد ظهرت بعدها خطابات الكراهية والنزاعات بين أتباع الديانات وعمليات النزوح البطيء، ومن ثم هجرة أبناء الأقليات الدينية، خوفاً من القتل العمد على أساس الدين، في عام 2003 وبعد سقوط النظام البائد أصبح هناك اهتمام قليل والنظر إلى الأقليات الدينية وبدأ الاعتراف بهم نسبياً لكن لم تتوقف عمليات القتل العمد والنزوح القصري بحقهم رغم أنه تم كتابة الدستور العراقي الجديد وتمت الموافقة عليها في استفتاء يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2005، ودخل حيز التنفيذ في عام 2006 وكان من المفترض إعطاء استحقاق وحقوق للجميع دون استثناء اي ديانة لأن العراق أصبح دولة ديمقراطية وللجميع الحق بالحرية والعدالة والحقوق.

 

أيضآ كانت تجربة فاشلة للأقليات الدينية للحصول على جميع حقوقهم المشروعة وفق قوانين دولية ربما كانت بعض القوانين من الدستور تعطي جمالية وحقوق لهم لكن تبقى حبر على ورق ولم تكن موجودة على أرض الواقع ولم تطبق عليهم، إلى يومنا هذا تعاني الأقليات الدينية من تهميش واضح ويتعرضون إلى إنتهاكات من قبل الدستور العراقي الذي يتعارض مع إتباع الديانات من الأقليات والتي قد تشكل خطرا على حقوق تلك الأشخاص كون هناك مواد في الدستور تفرض عليهم تغير دينهم قصرا في حالات معينة، اما بالنسبة لبعض الأقليات الدينية مثل الكاكائية والزرادشتية والبهائيية لم تعترف بهم الدولة أساساً ومهمشين أضعاف الآخرين من أبناء الأقليات، اما أتباع الديانة البهائية على وجه الخصوص يتعرضون إلى الاضطهاد بشكل غير أخلاقي بحيث أصبحث ديانة محظورة في العراق إلى يومنا هذا ولا يستطيعون ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية بشكل علني،

 

للرجوع مجدداً إلى الديانة الايزيدية هناك صورة ومفهوم خاطئ عنهم لدى الآخرين ولدى المسلمين بشكل خاص كون الكثير منهم لم يقرأ أو يبحث عن الأيزيدين أو ربما قرأوا من مصادر غير موثوقة التي تشوه صورتها أمام الآخرين على أساس العنصرية الدينية وهذا ما يحدث لدى الغالبية ولا يبحثوا عن معلومات من مصادر حقيقة عن هذه الديانة لذا غالبيتهم يتعرضون إلى تفكير خاطئ بسبب عدم معرفتهم للوصول إلى الحقائق عن الديانات أو عدم الاحتكاك بهم.

 

قبل أيام كانت هناك زيارة تضمنت مجموعة من الشباب الصحفيين والإعلاميين من المسلمين من جنوب ووسط العراق إلى معبد لالش بحيث تفاجوا كثيرآ حول حقيقة الديانة الايزيدية وكم كانت هناك صورة ومفهوم خاطئ عنهم لدى غالبية المسلمين بشكل عام، وبعد تلك الزيارة بدأوا و لأول مرة يكتبون عن الأيزيدين الحقيقة التي عرفوها من خلال تجربتهم إلى لالش عبر صفحاتهم الشخصية وفي مؤسساتهم الإعلامية.

 

في الثالث من آب 2014 صحوت من النوم في الصباح الباكر، ورأيت دموع الأهل سألتهم لماذا هذا البكاء؟ قالوا لقد سقطت شنگال (سنجار) بيد الوحوش، هنا بدأت اشعر بوجع شديد في داخلي وكانه احد يخبرني أن شنگال اقتربت من نهايتها وسوف يبادون أهلها، أمسكت هاتفي وقمت بالإتصال بصديقي في جنوب شنگال فتحت هاتفه وكانت تأتي منه أصوات الركض قلت له ماذا حصل قال لي انا اركض حاليا وتم قتل الكثير من اهلنا أثناء المقاومة وخلصت ذخيرتنا وقال لي انصحك ان لا تقاومون مع الوحوش لأن قوتهم كبيرة جدا ولا احد يستطيع الوقوف بوجههم وانقطعت الاتصال، بدأنا بتجهيز أنفسنا للهرب نحو جبل شنگال لسوء الحظ بيتنا وبيت العمام كنا لا نملك سواء ثلاثة سيارات ولم تكف لنقلنا إلى الجبل، اضطررنا لنقل الأهل على وجبتين، وكان يفصل بيننا وبين داعش بعض الكيلومترات لاننا تأخرنا كثيرا لحين أتت الينا السيارة لنقلنا.

 

توجهنا نحو جبل شنگال مع الآلاف من العوائل الأخرى الذين استطاعوا الهرب، لكن للأسف الكثير من العوائل لم تسطع الهرب منهم من لا يملكون السيارات ومنهم من كانوا مرضى ومعاقين ومنهم من ليس له الوقت الكافي للهرب، في اليوم نفسها حدثت مجازر بحق الأيزيدين وداعش أجبرت المئات على اعتناق الإسلام قصرا وقتلت مئات الأشخاص وخطفت الآلاف من النساء والأطفال والرجال الأيزيدين واستولت على جميع ممتلكات اهالي شنگال ونهب بيوتهم وتفجيرهم وحرقهم والخ...

 

لأتحدث لكم عن مأساة الأهالي في جبل شنگال.. الكثير والكثير ماتوا من العطش والجوع وخاصة اهالي جنوب شنگال لأنهم أتوا دون جلب الطعام معهم، مواقف كثيرة حدثت منها طفلة صغيرة تطلب من أمها الحليب وهي تبكي وتقول لطفلتها لا يوجد حليب من أين أجيب لكي يا طفلتي، أمراء تترك أحد أطفالها وتخلص الآخر لأن لا تستطيع خلاص الجميع، أتت قافلة من جنوب جبل شنگال إلى شمالها وكانت معبأة بالناس معظمهم كانوا من الاطفال وجميعهم فاقدين الوعي بسبب العطش والجوع، وقامت الناس بإعطاء كل واحد منهم عدة قطرات من الماء وذلك بسبب عدم وجود الماء وكان إعداد هائلة هربوا نحو الجبل، ومرت الأمور هكذا لمدة أسبوع وسط تخوف شديد من صعود الدواعش للجبل وقتل الجميع واجبارهم على اعتناق الإسلام، في صباح اليوم السابع تركنا الجبل والهرب من جديد نحو دولة سوريا من له سيارة ركبها ومن لا يملك أتت مشيآ وحافيآ هربآ من العدو المتوحش. والقصة طويلة لا أستطيع تكملتها....

 

كيف وأين ومتى حدث الإبادة الجماعية الايزيدية وأين وصلت وماذا حققت المجتمع الايزيدي من الدفاع عن القضية؟

 

بعد أن هاجم تنظيم الدولة الإسلامية المعروفة باسم داعش مدينة شنگال(سنجار) ودارت معارك عنيفة بينهم وبين أهالي المدينة في صباح يوم باكر، ورغم الأسلحة الخفيفة إلا أن الايزيديين قاوموا لساعات عديدة وذلك ليتمكن العوائل في جنوب سنجار على الهرب من القرية نحو الجبل هربآ من التنظيم المتطرف، حدث ذلك بالفعل بنسبة كبيرة لكن مقابل أرواح العديد من الشباب والمقاتلين الذين استشهدوا خلال المعركة، وبعد نفاذ ذخيرة المقاتلين قامت داعش بقتلهم وذهبوا نحو مركز القضاء وناحيتي تل عزير والقحطانية وتم الاستيلاء عليهما خلال ساعات وقاموا بمجازر في العديد من القرى والمناطق التابعة لهما حيث قتلوا وخطفوا في ذلك اليوم ما يقارب سبعة آلاف شخص من النساء والأطفال والرجال،وفي اليوم نفسها استولوا على شمال المدينة أيضأ اي أنهم استطاعوا أن يحتلوا سنجار بأكملها خلال يوم والسبب يعود إلى خلو المدينة من القوات العسكرية بكل صفوفها آنذاك، أهالي شمال المدينة اي ناحية سنوني والقرى التابعة لها استطاعوا الهرب نحو الجبل وأيضا نحو إقليم كوردستان و دولة سوريا، مرت الوقت ونحو ثلاثون ألف عائلة ايزيدية محاصرة داخل الجبل دون مأوى وماتت العشرات من الأطفال وكبار السن لعدم حصولهم على الطعام والماء وأيضا بسبب التعب والخوف، دامت الحصر لمدة سبعة أيام متتالية والناس تموت يوميآ وبعد إكتمال المدة المذكورة تمكنوا الناس للهرب من جبل سنجار نحو دولة سوريا وذلك عبر فتح منفذ بين الدولتين ليتمكن العوائل الهرب من خلالها، بعض العوائل سكنوا في مخيمات داخل سوريا والآخرين أتوا إلى إقليم كوردستان وسكنوا هناك إلى يومنا هذا، وقسم من الايزيديين بقوا في الجبل ولم تغادرها ووقفوا بوجه تنظيم داعش رغم محاولات كثيرة من التنظيم لتفجير المزارات الدينية والصعود إلى الجبل لكن لم يستطيعوا فعل ذلك، إلا أنهم قاموا في الأيام الأولى من الاحتلال بتفجير عدة مزارات دينية في جنوب سنجار وأيضا قتل العديد من الناس وإبادوا قرية كوجو بالكامل، حيث وصلت عدد المقابر الجماعية إلى أكثر من سبعون مقبرة في عموم المدينة ولازالت البحث عنها مستمر من قبل المنظمات والمجتمع المحلي، داعش لم تكتفي بهذا إنما اغتصبوا النساء وباعوهن في أسواق النخاسة في مدينة الموصل ومدينة الرقة في سوريا وتعذيبهم وعملهن كجاريات وجند الأطفال في صفوفهم وتدريبهم على الأعمال الإرهابية وترك الدين وحفظ القرآن والخ من الانتهاكات بحقهم، حيث كتب أحد الأشخاص الناجين من داعش على صفحته الشخصية على الفيسبوك التالي:

أود أن أذكركم بأن قبل أربعة أعوام من الان مررت بالقرب من جامع الفردوس في الرقة ورأيت إعلان من قبل ديوان الدعوة والمساجد لدى الدولة الإسلامية داعش كان مكتوباً عليه التالي:

 

م/ إعلان

يعلن ديوان الدعوة والمساجد في ولاية الرقة عن فتح مسابقة لكل من يحفظ سورة الأنفال التوبة الفتح ومحمد سيكون الجائزة سبية ايزيدية بالغة من العمر 18 سنة.

كل هذا حلت للمجتمع الايزيدي ولا زالت العديد من الدول لم تعترف بالابادة الجماعية بحقهم وبعضهم صوتوا واعترفوا بأنها إبادة جماعية بحق الديانة الايزيدية، وقد قامت المحكمة الألمانية بمحاكمة احد أفراد التنظيم بتهمه قتل طفله ايزيدية تبلغ من العمر خمسة سنوات تحت التعذيب،

وهناك قسم من المنظمات الدولية والمحلية والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان يعملون على القضية الايزيدية وتوثيقها.

بعض المقتطفات من الإبادة الجماعية الايزيدية: خطف النساء والأطفال، قتل الرجال وحرق بعض الناس، تفجير المزارات الدينية، إجبار الناس لترك دينهم، تفجير العديد من المباني الخاصة، نهب الثروات والأموال والممتلكات، الاستيلاء على الأراضي الزراعية.

حيث هاجر العديد من الايزيديين إلى بلدان عالمية عديدة ومنهم لاجئون في تركيا واليونان وهاجروا إلى مدن أوربيا والآخر إلى قارتي أستراليا وأمريكا والقسم الأكثر منهم يتواجدون في مخيمات النازحين في إقليم كوردستان العراق إلى يومنا هذا دون الرجوع إلى مدينة شنگال.