رأي

الحوار ضرورة مجتمعية

الحوار ضرورة مجتمعية

د. رؤى الدرويش

الحوار هو أسلوب للتعرف على الآخر والاعتراف بوجوده، وحقه في المشاركة بإبداء الرأي، حتى لو ل يؤد بالضرورة إلى التوصل لرأي واحد، وله أبعاد كثيرة لما له أكبر الأثر فى تنمية قدرة الفرد على التفكير بشكل منهجي، بعيدًا عن العنف والإقصاء، وهذا بدوره يساعد فى التصدي للمشكلات الصعبة وإيجاد الحلول الأصح، وفي الوقت ذاته يعزز فكرة التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد.

 

فالحوار هو أسلوب حضاري لتعلم القبول الاجتماعي للآخرين وقبول التنوع الثقافي لمن حولنا، فإصدار الأحكام المسبقة وسوء الفهم الناتج عن عدم الوعي بمواقف الآخرين ينتج من غياب التواصل بكافة أشكاله وفي مقدمته الحوار.

 

ثقافة الحوار هي باختصار تعتمد على مبدأ الرأي والرأي الآخر وكيفية تبادل الاحترام فى الاستماع إلى الآراء المختلفة بشكل واعٍ يخلو من التعصب أو العنف أو العدوانية، وتتسم هذه الثقافة بالقدرة على احتواء الخلافات والخروج منها برأي بناء.. لذا فإن غياب هذه الثقافة يشكل عائقا كبيرا في مسيرة تطورها وبنائها ويمنع أي استقرار أو تقدم حضاري وفكري.

 

تعتمد هذه الثقافة على عدة مراحل، بدءا من الطفولة ودور الأسرة فى بناء شخصية الطفل وثقته بنفسه التى تعزز ثقافة الحوار والاستفسار، فإذا تمت تربية الطفل فى بيئة أُسرية تقوم على العنف وإقصاء الرأي وتهميشه وتخويفه عند طرحه للأسئلة وعدم الرد عليها، ينتج طفلا ضعيف الشخصية لا يجرؤ على التحدث مع الآخرين، ما يدفعه إلى العنف من أجل التنفيس عن الضغوط التي تواجهه، والمحصلة النهائية نشأ ضعيف ومجتمع أضعف.

 

المرحلة الثانية المؤسسات التعليمية، فمن خلال المدرسة يتعلم الطفل مهارات الاتصال مع زملائه والتدريب المستمر على اكتساب المهارات الإيجابية من احترام الآخر ومساعدته، وهنا تبرز مسؤولية المدرس أو المعلم فى بناء شخصية الطفل من خلال الحوار على أن تتخلل الحصص التعليمية النقاشات المثمرة لإقناع الطفل والابتعاد عن الوسائل غير الحضارية التى تتمثل فى ممارسة الشده والتعنيف  للتوقف عن توجيه الأسئلة مما يدفعه إلى تعلم مهارات العنف للدفاع عن نفسه.

 

وهنا لابد وأن يُزود المدرس بمهارات الاتصال وعلوم التنمية البشرية ليكون قادراً على إعطاء الطفل العادات الإيجابية التى يمارسها فى حياته كجزء من طبيعته التفاعلية مع الآخرين ومع زملائه.

 

وكذلك تساهم وسائل الإعلام فى تشكيل الوعي العام وتوجيهه، فهي على اختلاف أنواعها تحث المجتمع باختلاف نوعياتهم وثقافتهم نحو الاعتراف بالاخر وتقبل المفاهيم المغايرة لبعضها والقادرة على خلق روح النقد البناء الذي يساهم في استنهاض المجتمع وابعاده عن التقويض

على ان هذا لا يعني اخفاء الحقائق وتجميل الصور، بل تتضمن مهمة الاعلام الوطني إجراء حوارات تتسم باختلاف وجهات النظر الى حيث قبول الاخر والاعتراف بوجوده، باستخدام وسائل الإقناع التي تشكل السبل الأنجع في توظيف مهمة الإعلام للارتقاء بالواقع الثقافي للمجتمع.

 

الساسة ورؤساء الحكومات المعنيون بإرساء قواعد الدول وقوانينها، وهذا بدوره يخلق انتقادات توجه إليهم، لذا لابد وأن تكون لديهم القدرة على تحمل الانتقادات والقيام بإصلاح أخطائهم من خلال إتاحة روح الحوار الذى ينص على الاستماع للرأي والرأي الآخر بهدوء وليس العنف وتشويه صورة المعارض وحرمانه من الحقوق .. لأن هذا يعمل على احتقان النفوس وازدياد الأخطاء سوءاً.

 

إن تعلم ثقافة الحوار هو خير وسيلة لإنهاء الخلافات بعيداً عن العنف، فالحوار الذي يدعو إلى السلام و طرح الرؤى في القضايا المتعلقة بالواقع الفسيفسائي، هو ما يمنح المجتمع القدرة على تداول الأفكار والتعبير المستمد من روح المواطنة لإيجاد صيغ العدالة والمساواة والمساهمة الفاعلة للجميع في البناء والاصلاح.

 

 

مقالات أخرى للكاتب