ثقافة
يثار الجدل كثيرا حول الحجاب كثقافة، بين اعتباره رمزا للتعفف كما تصوره بعض القراءات للأديان، وبين كونه قمعا لحرية المرأة. وهو جدل حسمه قاسم أمين، قديما حين دعا إلى تحرير المرأة، حيث أكد أن "ممارسة الوصاية على العقول جناية وقمع للحرية الإنسانية"[1].
ولما كانت المرأة تنشأ في عرف محكوم عليها قبل أن تولد، فإنها تجد نفسها بين نارين، إما أن تقبل بالأعراف السائدة لتسلم من اتهامات المجتمع، أو تقبل بالاتهامات التي ستلوكها ألسنة المجتمع إذا ما قررت التمرد، وهذه الثنائية التي صنعتها بعض الخطابات الدينية هي خدش في قناعات الناس وفي نواياهم، فلم لا يكون هناك احتمال ثالث أدعى للإنصاف، إذ ليست كل امرأة ترفض الحجاب فإنها ستلحق ببائعات الهوى، وهذه الدائرة هي التي لم ترصدها بعض القراءات التراثية للدين للأسف، خصوصا أن للعقل مزية تحسين وتقبيح الأمور قبل ورود الشرع حظرا أو إباحة.
وإن اعتبرنا الحجاب شعارا للمحفاظة والالتزام كما يدعى، فهذا يكذبه الواقع، إذ أن كل مجتمع تسوده المحافظة المفرطة، فهو بالضرورة يظهر علئ أفراده الكبت، وما الكبت الجنسي، إلا مقدمة للانحراف (كالزنا وغيرها)، خصوصا وأن الرجل مجبول عقله وطبعه على الفضول للتطلع نحو ما وراء الستار النسوي، ولا أرى رجلا يشكك في ذاك إلا المشكوك في رجولته.
يقول مشيلا مارزانو "المرأة عقل قبل أن تكون جسدا، والذي قوى فلسفة الجسد عند المرأة هي مكبوتات الرجل [2]".
إن مشكلة الفقه الإسلامي وهو يقرر شرعية الحجاب أنه لا يرصد عقل المرأة في التاريخ وإبداعاتها الفكرية، إنما انحصر أمره في الجسد، لذاك كانت أحكامه جميعها لا تخرج عن دائرة الجسد، فَحَرَمَ الاختلاط بالمرأة ومنع مصافحة المرأة، وضيق فسحة الخروج على المرأة، وربط مصلحتها بالجدران الأربعة في بيت أبيها وزوجها.
تقول نوال السعداوي، في السياق نفسه "الحجاب رمز سياسي خطير لعبودية المرأة، وعلى أن المرأة جسد بدون عقل. رأس المرأة شرف فلماذا تغطيه؟ الحجاب ليس له علاقة بالأديان الثلاثة، هو جاء قبلها كنظام عبودي طبقي أبوي لاضطهاد المرأة[3]".
لكن المانع له من رصد عقل المرأة أنه خاف أن تمنح للمرأة فرصة التحرر فتنعكس موازين القوى.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة ملاك الجهني "إن فكرة التحجب هي هروب من سياسة تحرير المرأة وخوف من سلطة المرأة، أما العفاف فكل عاقل يتغياه، وليس طريقه محصورا في خرقة تحجب المرأة [4]".
إن ضعف الفكر النسوي في التاريخ ليس مرده لضعف المرأة كما يصوره الموروث، بأنها ناقصة عقل ودين، أو أنها خلقت من ضلع الرجل أو غير ذلك، إنما الضعف أصله من تضييق هامش الحرية على المرأة، حتى لا تستمتع ولو بقليل منها، لذلك لم تحظ بالمكانة التي تستحقها، لأن طبيعة الآلهة في التاريخ لها نزوع ذكوري وهذا لا يستقيم مع الفكر الثوري للنساء، إذ لا ينبغي أن يتم تصوير شعر المرأة كفتنة أو تهديد للرجل.
سناء باهي.. باحثة وكاتبة من المغرب حاصلة على الماجستير في تأويليات الخطاب والتواصل.