رأي
كثيرا ما تتوجه القيادات الحكومية والسياسية والبعثات الدبلوماسية والمرجعيات الدينية بسؤال لممثلي الأقليات حول سبب انقسامهم الداخلي وعدم العثور على ممثل أو مسؤول لهم، دون الحديث عن حقهم في المساواة والحماية والتمثيل السياسي والتعويضات وحمايتهم من خطابات الكراهية والتطرف والتدخلات الحزبية والدينية في شؤونهم.
وكثيرا ما يتم الأخذ بهذه الحجة كأساس للتنصل في تقديم أي شيء وضمان أية حقوق للأقليات، وخاصة الايزيديين والمسيحيين والكاكائيين بحجة انهم منقسمون ومتفرقون ومشتتون إلى عدة اتجاهات سياسية أو مجموعات وتجمعات مختلفة في الآراء والتصورات والمصالح.
صحيح أن بعض المجموعات السياسية قد زادت من تمسكها بالتحالف مع جماعات هي في الاصل والاساس لا تعترف بهوية وخصوصيات الاقليات، ولا تعمل إلا لتمرير أجنداتها فوق هذه التجمعات ذات المصالح الاقتصادية والشهرة والنخبوية اولا واخيرا، ليس من المعقول أن تدافع جماعة متطرفة وذات توجهات راديكالية على حقوق الاقليات التي تنادي بالحرية والتنوع والتعددية والمساواة..!! الأمر فيه الكثير من الخجل والمشبوهية.. ولا يخص هذا الامر تجمع بعينه دون الاخر.
أليس هذا ديدن الحياة التنوع والتعددية والحرية في التوجه الى أي طرف يتجهون إذا كان الأمر كذلك فلتكفوا بوضع أمر تشتت وتفرق الاقليات الى عدة مجموعات، حجة للتنصل والتهرب من ضمان حقوقهم.
لتعمل مؤسسات الدولة على تثبيت اسماء جميع الأقليات في التشريعات والقوانين، ولن تعترض عليه أية مجموعة من المجموعات المتفرقة من الاقليات: إيزيدية، مسيحية، مندائية، كاكائية، زرادشتية، بهائية، شبك، تركمان، ذوي البشرة السمراء، أو الغجر، ولتعمل أيضا على تطبيق القانون والعدالة وبنود الدستور بعدالة ومهنية وانسانية، بعيدا عن أية انتماءات دينية ضيقة الأفق وخاصة تلك التي تضمن حق ووجود وهوية الاقليات وبناء دولة المواطنة فلن يعترض او تعترض عليها اية مجموعة وانا اضمن هذا الامر نيابة عن جميع الاقليات وسيكون أمرا مهما لجميع العراقيين بمختلف أنتمائاتهم القومية والدينية والمذهبية.
ولابد لمؤسسات الدولة منع التمييز المستمر تجاه ابناء الاقليات ولتساهم في أعمار مناطق الاقليات، وخاصة في سنجار وسهل نينوى وداقوق والحمدانية وبعشيقة وشيخان، فهذا الامر سيرحب بها جميع الاقليات المعارضين لكم والموالين لكم والصامتين والمحايدين والرافضين لسياساتكم ومن يصفق ويرقص لتصريحاتكم.
كما إن عليها العمل على الحد من خطابات الكراهية ووضع برنامج لتطوير المناهج التربوية وإفراغها من التهميش والاساءة، ووضع مناهج تشجع على قبول التنوع والتعددية فلا احد من المتحالفين مع مختلف التيارات السياسية والدينية والمذهبية حتى كارتونيا لن يعترضوا عليها.
لو أن أبناءكم وبناتكم قتلوا بدم بارد على ايدي برابرة العصر وانتم لا زلتم تبحثون عن تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، فمن المؤكد سوف لن تعترض على تصرفاتهم أية جهة او فصيل سياسي او عسكري او اقتصادي او اثنو سياسي واثنو ديني ايزيدي او مسيحي.
اضمنوا تعزيز مكانة ووجود الاقليات في المؤسسات الرسمية للدولة بجميع صنوفها وتقسيماتها، والساحة ستكفي كل المعارضين والمتحالفين والمتفرقين والملاقين الذين يبدلون ألوان ستراتهم واحذيتهم كل يوم، وفقا لطريق السير والسيارة التي تقلهم الى مواقع تقديم الولاء والطاعة.
أعيدوا الكرامة للايزيديين واعتذروا لهم وأعيدوا السبايا الذين اختطفتهم برابرة تنظيم داعش الارهابي، وأنصفوا الضحايا وامنحوهم التعويضات المستحقة والإضافية دون شروط، كجزء من رد الاعتبار وجبر الضرر، لان مؤسسات الدولة لم تستطع حمايتهم آنذاك، وسترون أن هذه الاقليات أكثر منكم حبا وتمسكا بوطنهم، وكفاكم حديثا عن انقسامهم وتشتتهم، أو أن تسألوا عن من يمثلهم أو يمثل حقوقهم.
فلتقم مؤسسات الدولة بجعل اعياد الاقليات مناسبات معترفا بها وتعدل القوانين التي تعتبر اساءة اليهم ومصادرة لكرامتهم -قانون أسلمة القاصرين نموذجا حيا ومثالا-، ولتلغِ قانون منع بيع واستيراد وصناعة المشروبات الكحولية التي تعتبر واحدة من مصادر الرزق للاقليات، وما منعكم لهذه المهنة إلا لتحاربوا هذا المصدر أيضا، وليس لأنه حرام شرعا، فكبار التجار أصبحوا مسلمين.
أوقفوا العمل بالقوانين والتعليمات الطاردة للأقليات، وساهموا في البناء الحقيقي لدولة المواطنة، فالقائمة طويلة وتبريراتكم كثيرة، وقدموا الاعتذار على ما ارتكبت من جرائم ضدهم على طول مسيرة الدولة العراقية، لكي تكون بداية لبناء دولة المواطنة وتعترف بالتنوع والتعددية وقبول الاخر والتعامل معه على الاسس المدنية والانسانية.
باحث ومختص في قضايا بناء السلام وحقوق الاقليات وشؤون المرأة