ثقافة

شيتريان: إنكار الإبادة الأرمنية إحدى طرق استمرارها حتى اليوم
بمناسبة الذكرى 108 للإبادة الجماعية للأرمن فيكين شيتريان أستاذ محاضر في التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة جنيف وجامعة ويستر في جنيف، ولد لعائلة أرمنية في بيروت، وإنهى دراسته في الجامعة الأميركية في العاصمة اللبنانية، ثم عمل صحافيا في بيروت وانتقل بعدها الى زوريخ وجنيف حيث عمل كصحفي مستقل، عمل على وضع عدد من مشاريع تسوية الصراعات ومبادرات التعليم الإعلامي في مناطق النزاعات في القوقاز ووسط آسيا، وكتب مقات أكاديمية فضلا عن كتاب (الحرب والسلم في القوقاز: حدود روسيا المضطربة) عام 2008. وحرر كتاب: من البيرويسترويكا الى ثورات قوس قزح: الاصلاح والثورة بعد الاشتراكية) عام 2013
في زيارته الأولى الى بغداد، التي تزامنت مع احياء الذكرى 108 للإبادة الجماعية للأرمن، كان هذا الحوار السريع عن كتابه (جروح مفتوحة: الأرمن والأتراك في قرن من الإبادة) والذي صدرت ترجمته العربية عن دار رياض الريس 2017.
ما الدرس الأهم الذي يقدمه كتابك (جروح مفتوحة: الأرمن والأتراك في قرن من الإبادة) للأجيال الجديدة في الشرق الأوسط؟
ما تعلمته من البحث في هذا الكتاب هو أن إنكار الدولة لجريمة الإبادة الجماعية يعني أن الدولة ستستخدم نفس السلوك الإجرامي مرة أخرى في المستقبل.
الدولة التي تنكر جرائمها الماضية هي دولة مستعدة لارتكاب أعمال عنف جماعية مرة أخرى في الأزمة القادمة. يصبح ارتكاب الجرائم وسيلة لحل النزاع. وليس بالضرورة تجاه نفس المجموعة الضحية، ولكن بشكل عام.
على سبيل المثال، بعد مذبحة تركيا العثمانية لسكانها من الأرمن، وكذلك الآشوريين، بينما استخدم العثمانيون القبائل الكردية في عمليت الابادة، وبعد ذلك مباشرة في عشرينيات القرن الماضي نرى تركيا تستخدم العنف الجماعي ضد سكانها الأكراد، على سبيل المثال في ديرسم في الثلاثينيات من القرن الماضي.. الطريقة الوحيدة لوقف دوامة العنف هي عندما تعترف الدولة بجرائمها، وتبحث عن آليات أخرى لحل المشاكل بدلاً من الترحيل والمجازر والعنف الجماعي.
كيف تناولت مفهوم الانكار في كتابك "جروح مفتوحة"، وما تأثيره الراهن في السياق الثقافي والسياسي لمنطقة الشرق الأوسط؟
هناك طرق مختلفة للإنكار. على سبيل المثال، نجحت تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، ليس فقط في محو ذكرى الإبادة الجماعية، ولكن أيضًا الذاكرة بان عاش الأرمن في الامبراطورية العثمانية. كان هذا المحو كاملاً لدرجة أن الأتراك نسوا حتى وجود الأرمن. فقط بعد عام 1965، عندما بدأ الأرمن نضالًا هائلاً للمطالبة بالاعتراف بالإبادة الجماعية، انتقلت تركيا إلى المرحلة الثانية من الإنكار قائلة: لم يحدث شيء، إذا حدث شيء فهذا من مسولية الضحايا! يستمر شكل الطف من هذا النوع من الإنكار حتى يومنا هذا، في ظل حكم أردوغان، قائلاً: ما حدث كان حربًا أهلية بين الجماعات، بدلاً من قبول قيام دولة بذبح جزء من سكانها المدنيين.
أين يمكن وضع مأساة الأرمن في سياق شرق أوسطي فيه تنافس شديد بالمظلوميات، والمسرح السياسي الصغير الذي تتنافس فيه معظم الجماعات على وضع الضحية؟
إذا اتخذنا نهجًا تاريخيًا، فإن الإبادة الجماعية للأرمن هي حدث كبير أدى إلى مستويات غير مسبوقة من العنف في الشرق الأوسط. إن إنكارها جعل جريمة الإبادة الجماعية عملاً مبتذلاً: إذا ارتكبت دولة جريمة قتل جماعي وأفلتت من العقاب واحتفلت به على أنها بطولة وطنية، فما نوع الدروس التي يمكن أن تتعلمها هذه الدولة وغيرها من الدول؟
أشعر بالحزن الشديد عندما أرى منافسة بين مجتمعات الضحايا. ما مدى قوتهم إذا أنشأوا روابط تضامن فيما بينهم بدلاً من المنافسة.
يشعر قارئ كتابك أن الابادة الجماعيه للأرمن ما تزال مستمرة بوسائل اخرى؟ كيف تحلل هذه الفكرة بمزيد من الوضوح؟
هناك العديد من الطرق التي تكون فيها الإبادة الجماعية مستمرة حتى اليوم. طريقة واحدة لاستمرار هذه الجريمة الهائلة هي الإنكار. إن إنكار الجريمة يبقي الضحايا في حالة صدمة ومعاناة مستمرة. يجعلهم غير قادرين على دفن موتاهم، ومتابعة حياتهم. كيف يمكنك عندما لم تتعرض فقط للقتل الجماعي، ولكن هذه الجريمة غير معترف بها، والمجرمون مثل طلعت وأنور وجمال، هؤلاء الثلاثة الذين نظموا عمليات ترحيل ومذابح للأرمن والأشوريين،. يتم الاحتفال بهم حتى اليوم كأبطال في تركيا.
لكن هناك طريقة ثانية أكثر مباشرة تكون فيها الإبادة الجماعية، فتركيا حتى اليوم لا تعارض وجود الدولة الأرمنية، ولم ترسل تمثيلاً دبلوماسياً، وطوال 30 عاماً فرضت حصاراً اقتصادياً على أرمينيا. بالإضافة إلى ذلك، شاركت تركيا بشكل مباشر في الحرب التي شنتها أذربيجان على أرمينيا. تركيا، بعد قرن من ارتكاب الإبادة الجماعية، تواصل محاربة أرمينيا والأرمن، بدلاً من قبول جريمتها الأصلية والعمل على إحلال السلام.
تحدثت في كتابك عن الناجين والمتحولين للاسلام من الارمن وعن طوائف مسلمة تتحدث الارمنية (الهمشين)، والارمن المؤسلمين، هل تعتقد ان هناك جماعات اخرى في الشرق الاوسط وضعت في السياق المصيري نفسه؟
نعم، أنت محق، فالأرمن ليسوا المجتمع الوحيد الذي أُجبر على تغيير دينهم وهويتهم العرقية ولغتهم وثقافتهم. هناك العديد من الدراسات التي تبين أن الإغريق والآشوريين واليزيديين قد تم تحويلهم قسراً. على سبيل المثال، لا تزال هناك قريتان في جنوب طرابزون حيث يتم إسلام السكان والتركيين، لكنهم يتحدثون اللهجة اليونانية. قد تجد أمثلة أخرى من العراق أيضًا.
هل تعتقد ان هناك امكانيات واقعية للمصالحة الارمنية والتركية، وعلى اي أسس عادلة يمكن ان تنطلق؟
أعتقد أنه من الممكن إيجاد حل عادل للصراع الأرمني التركي: يبدأ بإدراك الدولة التركية أن عمليات الترحيل الجماعي لجميع السكان الأرمن العثمانيين إلى الصحراء السورية ومجزرتهم هي جريمة. بمجرد أن تأخذ تركيا هذه المسؤولية الأخلاقية، يمكن لجميع الأسئلة السياسية الأخرى أن تجد حلًا لها.