ثقافة
السعادة من المقولات الفلسفية الكلية - تبعا لِمُثُلِ افلاطون- لكن لها واقع موضوعي في الخارج، وعادة الانسان في الوجود البحث عن المعنى، ومناقشة قضايا الوجود والمصير، مما يُحدث في نفسه قلقا أنطولوجيا (وجوديا) .
ومن القضايا الشائكة في تاريخ البشرية قضية السعادة ومشكلة الاحتكار، إذ يحاول الكل أن يحتكر السعادة لغرض نفعي للتأثير في الجمهور، و تحقيق السعادة في الوجود مكسب انساني لأن طبيعة الفرد محاولة الانفلات من قبضة الألم والمعاناة، فإذا استبانت له ثغرة من السعادة أفرز هرمون السعادة طلبا لسعادة أكمل!
والسعادة كقضية يتجاذبها الدين والفلسفة، مع ما بينهما من مفارقات منهجية وموضوعية، فهل يستقيم للمتدين أن يناقش السعادة؟
المعروف في السرديات الدينية أن الدين مرادف للتكليف والتكليف من لوازم المشقة، والتكليف الشرعي لا يقع إلا في جو التعبد او ما يسمى في الادبيات الدينية بثنائية العبد والسيد او بالأحرى العبد والمعبود.
وفق ما تقدم تقريره فهل من حق العبد أن يناقش السعادة فضلا عن أن يدعيها، وبالرجوع الى المصطلح القرآني نجد السعادة لا تذكر الا متعلقة باليوم الآخر لا مدخل لها بالدنيا (متعة أو لذة).
ومن ثم فالقدر الإلهي حاكم على المتدين أن يعيش الشقاء الى أن يموت، تمهيدا لسعادة خالدة ! فالانسان الديني محكوم عليه بالتكليف.
اما السعادة فتعبير مسيحي الأصل ..من حق المسيحي ان يناقشه ..لأن الديانة المسيحية ديانة تشاؤم مخلوط بالخطيئة، ولا يزعج المسيحي ان يزاحم الإله في السعادة تبعا لاصولهم المسيحية مزجا بين اللاهوت والناسوت.
عودا على بدأ فما الذي منع الإله المحمدي أن يسقي المؤمن قطرات السعادة ..هل ممكن ان يفسر ذلك بمنطق غيرة الإله باعتبار الإله المحمدي لا يجوز في حقه أن ينافَسَ أو يزاحَمَ في الخصوصيات، أم أنه وعد مستقلبي لآخرة خالدة فيها سعادة مثالية.
أم أن المُثَقَّل بالتكليف المحكومُ بالشقاء ليس من حقه أن يجمع بين مشقة التكليف والسعادة.
هذا اشكال يجب على الدين المحمدي أن يجيب عنه أو يُحَالَ الى مجتهدي الديانة!
لأن الدين الذي لا يشارك الفرد انسانية ويخلق في نفوس الناس اغترابا ويبعدهم عن مطلب السعادة لا مستقبل له بين البشرية.
فإذا كان الانسان أكثر إنسانية من الآلهة وجب الهجر إلى الإنسانية أكثر من هجرةٍ الى ديانة لا تعترف الا بالتكليف والمسقة كشرط للوجود.
فإن قال قائل أن الدين هو إطارٌ يفكر خارج منطقة الحريات والفردية والسعادة وكل ما له معنى فهو صادقٌ.. فأنا كانسان محتاج الى جنة أرضية قبل الاقتناع بجنة موهومة لها وجود خرج مجرد العقل.. فالواقع هو المُصَحِّحُ لعالم الُمثُل.. وليس ببعيد عمن عاش البؤس في الدنيا أن يكرر نفس التجربة في العالم الميتافيزيقي المرعب!.
وكل دين لا ان يستطيع أن يوفر لتابعيه ولو هامشا من الحياة السعيدة فحقه أن يحذف من قاموس تاريخ البشرية.
وستبقى السعادة مشكلا تؤرق الانسان المتدين بحثا عن مستقبل مجهول حتى يفضل ترك دينه بدل انتظار وعود إلهية عقيمة مملة!!.