أعمدة رئيسية
تصل الى هذه اللحظة بيسر، في الغالب يكون الأمر صباحا وحين تبدو ملامح التكرار قد اتضحت، لم يعد التدخين او استخدام سمّاعات الأذن كافيا للتعبير عن التبرم والضيق والرغبة بإضافة شيء جديد الى المشهد او اعتزاله واغلاق النافذة دونه، كل نافذة ممكنة.
وصف المحيط بك بالسيء إشكالي، والأجدى اعتباره مختلفا عنك ومغايرا لك او منقطعا منك، لكن اتساع دائرة الأشياء والأحداث المختلفة عنك الى درجة أسرك وتحويلك الى منفي أمر مخيف، وربما كان طريقا نهايته التطبيع مع المختلف او الانتماء له. يوميا يزيد الحصار ضيقا، ويزيح المختلف عنك المسافة بينك وبينه، وتنتهي الحدود الفاصلة بينك وبينه، لا على مستوى الأثر بل حتى الذاكرة.
لو تسرب مفهوم الثورة الى هذه الكتابة الناعمة والخائفة، هل سيكون التحول خاطفا؟ لا أعتقد، في النهاية سيكون المهيمن على اللغة هو رغبتها بالاختلاف، وباعتبار ان كل الكلمات ذات الفاعلية العنفية هي عند الآخر؛ فسنبقى دون وقود رغم وجود النار، ما الكلمة التي تصلح للتدويم؟ لكي لا نستهلك كل المفردات الغاضبة، خصوصا أن المختلف مستمر بالتقدم، أعتقد أن كلمة "مقرف" صالحة تماما.
لنجرب الأمر، اشعر بالقرف من ريعية وجود المختلف، فهو انفاق مستمر لم يثمر يوما تغييرا او جديدا. اشعر بالقرف من ازدياد عدد السكان، فالكثير من الأسرّة تتحكم العواطف والغيبيات في قرارتها الاستراتيجية.
اشعر بالقرف من قدرة المختلف العجيبة على التكيف والتأقلم مع الخراب والدمار والموت والعنف والامراض وتغيرات المناخ والخلل البيئي والاستلاب المعرفي.
اشعر بالقرف من اهمية السخرية لدى الآخر من معاناته، ولقد اصبحت حاجزا عن التعاطي مع الحل، وكأنها وسيلة لتثبيت الخلل. اشعر بالقرف من الازدحامات والفشل العمراني والأغاني الهابطة وغير الهابطة إذا جاءت في الوقت النشاز.
اشعر بالقرف من مفهوم الآخر للعمل، يُخال لي أن هناك من يرى العمل مشروع سرقة من الدولة وبعبارة أدق "فرهود" او "حواسم" غير مباشرة وبطيئة. اشعر بالقرف من مفهوم النساء للجمال، لقد باتت ملامح الوجه والجسد معنية بتوضيح القدرة الجنسية وليس جنس الانسان او اختلافه حتى.
اشعر بالقرف من المؤسسات العلمية، فهي تتداول المعرفة انطلاقا من الاجابة. اشعر بالقرف من الوعظ، انه كثيف حتى بات العاصي يبحث عن فرصة نجاته منه. اشعر بالقرف من السياسة والسياسيين، لا صفات لهم (ليس لأنهم قدماء بالمعنى اللاهوتي طبعا) بل لأنهم بلا ذوات.
اشعر بالقرف من التبرم المستمر، انه فشل لا نجد تبريرا له.