رأي

(مصالحة) أم (مصارعة) وطنية؟!

(مصالحة) أم (مصارعة) وطنية؟!

جمال الخرسان

ربما لم يشهد بلد في العالم غير العراق انعقاد هذا الحجم الهائل من المؤتمرات التي تهدف الى "المصالحة الوطنية". صرفت مبالغ بأرقام فلكية من اجل تلك المؤتمرات. ألقيت مئات الخطب والمواعظ في سبيلها، وألقي ضعف ذلك من القصائد الداعية للتآلف والتقارب. قبلت الرؤوس وطيبت الخواطر هكذا على الأقل نشاهد ما يحصل فيها من خلال شاشات التلفاز، لكن الملفت انه وبعد كل خطوة او مؤتمر للمصالحة الوطنية ندخل في نفق مظلم من الصراع المكوناتي ذي النكهات الطائفية السياسية، وكأن تلك المؤتمرات تؤدي دورا عكسيا، كأنها ليست إلا حلبات لـ"المصارعة الوطنية"!   يخوّن بعضنا بعضا عيانا، ولا نطيق التعامل فيما بيننا كعراقيين، بل نفضّل التعامل مع الأجنبي ونتعاطى معه بأريحية أكبر. أصبحت الفجوة كبيرة جدا ويصعب ردمها.   ان مشكلة العراق، في اصعدتها المختلفة بما في ذلك الصعيد الأمني، هي بالأساس مشكلة عراقية - عراقية الى حد كبير، وان تدخلات الأطراف الخارجية تقتصر على اذكاء وتغذية تلك المشكلة. لقد جربنا مؤتمرات المجاملات لفترات طويلة وأثبتت فشلها فلماذا لا نجرب أساليب أخرى؟! لماذا لا نتصارح ونضع النقاط على الحروف؟!   لقد ألقينا جميع أزماتنا على شماعة الاحتلال الأمريكي، وتجنبنا "المصارحة الوطنية" التي تمثل خطوة أولى في طريق المصالحة. لماذا نتجنب الاعتراف بواقعنا الأليم، ونظهر أنفسنا بمنزلة حمل وديع؟!   المشكلة في خطابنا الطائفي والمتشنج تعود بنا الى تشوهات الهوية العراقية التي رافقت بدايات تشكل الدولة الحديثة في العراق. ما زالت تلك البدايات تنعكس بشكل سلبي متراكم حتى الآن، ونتيجة لذلك التراكم السلبي أصبحنا نقف مكوناتيا على أرضية هشة، بل حالة من التنافر الصارخ فيما بيننا. نعم هذا هو الواقع. من هنا فلن تنجح المصالحة الوطنية دون التمهيد لها بسقف واقعي جدا من المصارحة الوطنية، وإلا فإننا بتلك المؤتمرات لن نتجاوز حلبة "المصارعة الوطنية".

مقالات أخرى للكاتب