رأي

طبقة كتاب نظام المحاصصة الطائفي ومشتقاتها!

طبقة كتاب نظام المحاصصة الطائفي ومشتقاتها!

علاء اللامي

يبدو أن نظام المحاصصة الطائفي في العراق في طريقه أخيرا للحصول على طبقته "نخبته" الخاصة من الكتاب والباحثين. فالترويج والتلميع مستمر هذه الأيام لمجموعة من الأسماء التي صفقت لحرب الاحتلال سنة 2003، وما تمخض عنها من نظام حكم وحرب أهلية، ثم استمرت تضلل الناس وتدافع عن فزاعة "العراق الجديد".   المؤسف أن اسم أحد الباحثين والمحللين الجديين والمستقلين والنقديين مما لا علاقة لهم بهذا النظام الكارثي، وكتاباته رصينة وذات منحى أكاديمي موضوعي يجري زجه بين هذه الأسماء التي اشتغل أصحاب بعضها بالقطعة والمفرق في مؤسسات مدمِّر العراق بول بريمر ومؤسسات أصدقاء بول بريمر من "عراقيين" من أمثال "رجل العمال" سابقا و"رجل الأعمال" حاليا، فخري كريم، أو شبكة محمد الشبوط الحكومية "شبكة الإعلام العراقي" وسواهما..الخ.   لا أريد أن أدخل في معمعة الشخصنة والسجال ذي المنحى الذاتي، ولذلك لن أذكر أسماء معينة إلا إذا تجرأ أحد هؤلاء على أن "يقل أدبه" مستقبلا، ومع أن ذكر أسماء هؤلاء وفضح علاقاتهم ونشاطاتهم التضليلية ماضيا وحاضرا من حق وواجب الجميع، ومع أن أسماءهم مكررة على صفحات التواصل، ولكنني وددت تسجيل حقيقة إيجابية ومفرحة، وهي أن الخط الفاصل صار واضحا جدا هذه الأيام بين الكتاب والباحثين والمحللين السياسيين العراقيين الوطنيين والنقديين "على قلتهم العددية" من رافضي نظام المحاصصة الطائفية والمركزين نقدهم في جذوره وليس في فروعه، والمطالبين بإنهائه وإحلال نظام المواطنة والمساواة محله وفك الارتباط بدولة الاحتلال وأم المصائب الولايات المتحدة الأميركية، وبين الفريق الآخر، فريق أصدقاء بول بريمر والمحاصصة الطائفية داخل وخارج شبكة الشبوط وشركائه حتى لو تبرقعوا بشتم واحد من أقطاب المحاصصة كالمالكي أو علاوي أو بارزاني أو النجيفي وردحوا دفاعا عن الآخر.   أشير أخيرا إلى أن الجمهور الطائفي لهذا الفريق من الكتبة بات منقسما طائفيا هو الآخر، وها هو يحتج مثلا على وجود اسم هذا الكاتب أو ذلك تبعا لهويته الفرعية "الطائفية" وبلد إقامته، فإن كان "سُنيا" ومقيما في الأردن أو الخليج فهو في نظر البعض طائفي ومن أتباع داعش، حتى وإن كان متعلقا بلحيتي ماركس ولينين، أو يكون مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إن كان شيعيا ومقيما في الواقواق!   حقيقة إيجابية ومفرحة أخرى يمكن الإشارة إليها، ومفادها أن هؤلاء يعرفون تماما أسماء الفريق المناقض والمعاكس لهم في التوجهات والمضامين ماضيا وحاضرا من كتاب وباحثين ومحللين نقديين فيتجاهلونهم تجاهلا تاماً وواعيا ولا يشيرون إليهم في قوائمهم، وهذا بحد ذاته فعل يشكرون عليه أولا، وهو ثانيا اعتراف قوي بحضور مَن تم تجاهلهم رغم قلتهم والتعتيم الإعلام المفروض عليهم.   في سياق شبيه بهذا الذي عرضنا لأحد تمظهراته الخاصة بالأداء الكتابي لأصدقاء نظام المحاصصة، نجد ضربا آخر من كتاب ومحللين يبدون شكلا على نقيض أولئك تماما، رغم أنهم من ذات الأديم النظري جوهريا، فهم يوجهون نقدهم "وشتائمهم" نحو خصومهم من منطلقات فكرية شمولية وطائفية تحن إلى لغة ومضامين النظام الشمولي المهزوم، تساعدهم في أداء "مهمتهم" هذه وفرة الفضائح والكوارث التي تسبب بها نظام المحاصصة، ويحفل بها المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني العراقي. بعض هؤلاء لا يجاهرون بولائهم وانحيازهم لذلك النظام، بل يحاول تغليفهما بقشرة لبرالية رقيقة لا تكاد تخفي شيئا، وبعض ثالث قلب معطفه السياسي وأعلن ولاءه لنظام المحاصصة.   ومن الجمع الغفير لهذا النوع من الكتاب لم يطلع الجمهور العراقي على نصوص اعتذر فيها أصحابها عن ماضيهم كليا أو جزئيا (شخصيا قرأت نصا اعتذاريا واحدا لكاتب واحد من هؤلاء، وكان اعتذاره مفعما بالحرارة الإنسانية، خلواً من النفاق ومراسم "تقديم أوراق الاعتماد" لنظام المحاصصة الطائفي) وقد تكرر هذا الأمر في الجهة المقابلة، فلم يجرؤ أحد ممن صفقوا لحرب الاحتلال وشتموا رافضيه ومقاوميه، على الاعتذار أو التعبير عن الأسف (هنا أيضا، قرأت شخصيا اعتذارا مهما وصادقا واحدا لكاتب مسرحي عراقي، وقد بادرت حينها إلى توجيه التحية له مباشرة).   ليس من حق أحد أن ينصب نفسه حاكما يفرز البشر إلى ملائكة وشياطين، هذا صحيح تماما، فقضية المواقف الفكرية والسياسية والإنسانية عموما أكثر تعقيدا وغموضا، ولكننا نطمح، وكحد أدنى، إلى الدفاع عن حق الناس في الفهم النقدي والشفافية والإطلاع على أوجه الحقيقة المتعددة والخروج على نمط التعامل والتفكير البدائي.   صحيح أن ثقافة الاعتذار ليست بذات الجذور العميقة والراسخة في التربة القيمية العراقية، ولهذه الظاهرة تفسيراتها المعقدة التي لسنا بصددها، ولكن هذا التفسير يلقي بعض الضوء، وليس كله، على المشهد الثقافي العراقي الراهن. ولهذا سيكون من المفيد أن يأخذ المتفحص لظاهرة تشكل وبناء الأداليج (جمع أدلوجة كما اقترح المفكر المغربي عبد الله العروي) المدافعة والمبررة لنظام الحكم، أي نظام حكم كان، بنظر الاعتبار الجوانب الانسانية في تجربة أفراد النخبة الصانعة والمشكلة لهذه الظاهرة. ويدخل ضمن مساق هذه الجوانب الإنسانية حاجة الكتاب والمثقفين عموما إلى أن يعيشوا ويعملوا ويعيلوا أسرهم في بلد متأزم كالعراق ليس فيه مؤسسات إعلامية مستقلة وذات تقاليد مستقرة يختار المرء بينها ما هو أفضل، على الرغم من زحام وسائل الإعلام المتحزبة والطائفية، ولا يمكن بالتالي أن نساوي بين كاتب أو إعلامي يعمل كحرفي أو كاتب بسيط في وسيلة إعلام غير رصينة وحتى سلبية، وبين آخر يرسم وينفذ استراتيجيات ثقافية معادية لثوابت إنسانية تهم شعبا بكامله وتقود إلى التقسيم والاحتراب الطائفي والقومي. كما أن الناس ليسوا على درجة واحدة من الاستعداد للتضحية والمعاناة من أجل الموقف الجذري، بل قد لا يكون بعضهم متفقا تماما مع تفاصيل وعموميات هذا الموقف الذي يوصف بالجذري، وهذا من حقهم، ولكن أن يجري ترسيم وتسويق مثقف أو كاتب أو صحافي "معين" يدخل البلاد بحماية المحتلين الأميركيين، وينجو من الموت "بأعجوبة!" في حادثة اغتيال سياسية شهيرة قضى فيها رجل دين وسياسي من حلفاء المحتلين، على أنه علم من أعلام الوطنية أو اللبرالية والفكر الحداثي، فهذا أمر لا يمكن السكوت عليه، ولا يمكن وصفه إلا بالنفاق والتضليل والكذب على الناس.   إن تشابك وتعقيد وخطورة ظاهرة تشكل وانبثاق وتصنيع أدلوجة النخب الحاكمة، بغض النظر عن نوع نظام حكمها، وخصوصا في مجتمعات "انتقالية ومأزومة" كالمجتمع العراقي، وفي ظل حكم المحاصصة الطائفية القائم اليوم، يجعلها أقرب إلى التحدي النظري والممارساتي أمام المتخصصين في "السياجتماعيات" منها إلى البطر الفكري والسجالات المناسباتية، وما هذه الأسطر التي سلفت إلا محاولة للتأشير، وحسب، على أهمية هذه الظاهرة، وهي بالتالي اقتراح موجه إلى ذوي الاختصاص النقديين المستقلين لدراستها وتفكيكها علميا ليكون سهلا، فيما بعد، تهشيم أصنامها النظرية ودحض طروحات الممثلين لها والناطقين باسمها.   علاء اللامي: كاتب عراقي  

مقالات أخرى للكاتب