كنت قد علقت مساء أمس على تعقيب وملصق نشره أحد الأصدقاء على صفحتي في الفيسبوك وتويتر حول تصريح منسوب للكاتب (الإعلام العربي المنفوط يصر على تسميته بالفيلسوف) الفرنسي ميشال أونفيري، وترجمت المقطع المسجل لتصريحه، وفي المساء ذاته، وعلى القناة الفرنسية الثانية ضمن برنامج حواري يبث في ساعة متأخرة ويحمل عنوان (On n'est pas couché) ، كان الكاتب المذكور ضمن الحضور، وقد طرح العديد من الأفكار والملاحظات الأكثر رصانة، والتي قد يتناقض بعضها مع ما ورد من أفكاره التي وردت في التسجيل الذي ترجمته في تعليقي على تعقيب الصديق زياد، وخصوصا ما يفهم منه من مساواة بين التكفيريين الجهاديين وعموم المسلمين.
لتعميم الفائدة، أعيد تلخيص تلك الأفكار هنا، علما بأني شاهدت جزءا فقط من ذلك البرنامج الحواري، وليس كله، معتمدا على ما حفظته في ذاكرتي:
ميشال أونفيري:
- الإسلام يمثل مشكلة لأوروبا والغرب.
لا نستطيع لا أنا ولا أنت "مخاطبا أحد المتحدثين" أن نتكلم ونحكم على القرآن، أولا، لأننا لسنا مسلمين، وثانيا، لأننا لا نجيد العربية.
لقد قرأت جميع الترجمات المتاحة للقرآن ولهذا أقول: يجب التمييز بين القرآن المكي والمدني، وبين ما هو سلبي ولا يتلاءم مع القيم الغربية، وبين ما هو إيجابي ويتلاءم، وهذا ينطبق على جميع الكتب الدينية.
يجب أن نتذكر أن أسبوعية "شارلي ايبدو" هي صحيفة ملحدة وليست مسيحية منذ تأسيسها، ولهذا فأي تضامن معها لا ينبغي أن يكون أو ينظر إليه كتضامن مسيحي ضد الإسلام.
- علينا أن نفهم ردود أفعال المسلمين في فرنسا وغيرها من دول الغرب على ما تقوم به دولنا ضد بلدان مسلمة من حروب نشارك فيها دائما مع أميركا والغرب، وعلينا التخلي عن السياسية الاستعمارية القائمة على الخوف المرضي من الإسلام "الإسلاموفوبيا".
وزيادة في الفائدة أعيد هنا نشر تعقيبي الأول على تعقيب الصديق سالف الذكر مع ترجمة فورية لما قاله مع تعليقي عليه:
هذه هي الترجمة الفورية لما قاله أونفيري، وهي ليست كاملة، علما أن التسجيل متقطع أحيانا، ولكنها تعطي صورة عن التحريف وعدم الإمانة في ترجمة ما قال من قبل بعض المصادر العربية على صفحات التواصل الاجتماعي:
(المذيع يسأل أونفري: إذن في مالي، الجهاديون لديهم الحق في تطبيق الشريعة؟ أونفري يجيب: نعم، هذا طبيعي، لماذا لا يطبق الناس سياستهم في بلدهم؟ لماذا لدينا اليوم مشاكل الإرهاب، المسلمون ليسوا أغبياء، بمعنى أن نخوض الحرب في بلدانهم، في أفغانستان مثلا أو في مالي ونقتل العشرات والمئات ونريد من هؤلاء الناس أن يكونوا لطفاء، هم ليسوا لطفاء ولديهم الحق.
المذيع يسأل: هل معنى ذلك أن الإسلام خطر؟
يجيب أونفيري: أعتقد، في الميدان السياسي، لا يوجد سبب لأن نقيم "نطبق" القانون في بلدان الآخرين. لماذا مثلا نطبق القانون في بلد القذافي أو في مالي، ولا نطبقه في باكستان أو قطر أو كوبا أو الصين. إذا كانت حقوق الإنسان تهمنا حقا فلماذا في مالي وليس في أماكن أخرى وحقوق الإنسان منتهكة؟
المذيع: لأنك تدافع عن قيم ليست هي قيم يدافع عنها "الجهاديون" في الصحراء. أوفنري يرد: نعم ولكنهم في بلدهم، لماذا نطبق القانون في بلدان المسلمين؟ يجب أن نتوقف عن تطبيق السياسة الاستعمارية ليست حقوق الانسان هي التي...).
العبارة الأخيرة لم تكتمل في التسجيل.. ونلاحظ هنا أن أونفيري يساوي بين المسلمين وبين من يسميهم "الجهاديين" أي التكفيريين. وكنتيجة، سيعتبر ممارسات التكفيريين هي ممارسات المسلمين، وهذه أبشع وأخطر كذبة يحاول اليمين الأوروبي ترويجها ولا يغرنك الغلاف اللفظي الذي يغطيها به أوفنيري. ثم انه لم يذكر إطلاقا - تحديدا في المقطع الذي شاهدته وترجمته هنا - مجزرة شارلي ايبدو ولا قال بأنهم عنصريون.
ختاما، أود أن أوجه التحية للكاتب والصحافي الفرنسي (من أصول بولندية) المنصف والشجاع آيمريك كارون Aymeric Caron الذي حشر أونفيري في الزاوية لأنه - كما قال - لا يطبق "مقاييسه الانسانية" في الحالة الفلسطينية حين قصفت اسرائيل قطاع غزة وقتلت أكثر من ألفي شخص بينهم الكثير من النساء والأطفال، وقصفت حتى مدارس وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة دون أدنى استنكار أو إدانة غربية. وقد رد عليه أونفيري بأنه يحمل مسؤولية مقتل هؤلاء الأطفال لحماس وصواريخها... الخ.
إن الغرب لا يخلو من المنصفين الشجعان، وعلينا ألا ننسى ذلك فنسيانه خطير على القضايا العادلة وأصحابها قبل غيرهم، بل وسيكون لمصلحة هذا الغير.
علاء اللامي: كاتب عراقي