رأي

باريس تحتضن القطب وابن الهيثم

باريس تحتضن القطب وابن الهيثم

جمال الخرسان

هكذا هي المدن الحيوية الكبرى لا تعرف الموت. انها تجبر الظروف الصعبة لصالحها. عمقها التاريخي ونضجها الحضاري عاملان كفيلان بتعديل المسار حينما تواجهها كبوة. باريس العاصمة الفرنسية التي تعرضت قبل ايام الى سلسلة من الحوادث الارهابية احتضنت هذا الأسبوع أولى فعاليات مبادرة الأمم المتحدة لعام الضوء "International Year of Light" في مبنى منظمة اليونسكو.   عام الضوء أو السنة الضوئية مبادرة عالمية اعتمدتها الأمم المتحدة من أجل رفع مستوى الوعي في استخدام التكنولوجيا والتعامل الإيجابي مع الطاقة، ولهذا سيكون عام 2015 عاما للضوء، حيث ستقام فيه سلسلة من الفعاليات العلمية والفنية والثقافية الهادفة في إطار الحديث عن الضوء والتكنولوجيا المتعلقة به.   المحفل الضوئي في باريس سيقيم على مدار يومين متتالين (19-20/1/2015) سلسلة من الفعاليات، أكثر ما استوقفني من بينها، فعاليتان مختلفتان لشخصيتين تنحدران من بيئتين متباعدتين جغرافيا وتنتميان الى حقبتين زمنيتين تفصل بينهما ألفية من الزمن.   الشخصية الأولى هو العالم العربي "الحسن ابن الهيثم" المعروف بأعماله العظيمة في مجال البصريات قبل حوالي 1000 عام. لم تشأ باريس عاصمة النور ولا اليونسكو تجاهل جهود ابن الهيثم ذلك العالم العراقي الفذ المولود في البصرة عام 965 للميلاد، ليكون التاريخ مرة أخرى هو المنقذ الوحيد لحال العرب والمسلمين، بعدما أصبح حاضرهم موغلا بالظلام. ابن الهيثم سيكون حاضرا في جملة من الفعاليات المختلفة في العاصمة الفرنسية وغيرها من المدن التي تقيم نشاطات حول الضوء.   أما الشخصية الثانية فهو ذلك القادم من ظلام القطب الشمالي في فصل الشتاء الخبير الفنلندي في مجال الضوئيات كاري كولا "Kari Kola" الذي جعل من مبنى اليونسكو في باريس شاشة سينمائية، في استعراض ضوئي جميل جدا مفتتحا بذلك أولى فعاليات مبادرة عام الضوء.   هكذا تعود باريس لعادتها القديمة عاصمة للنور والنشاط الثقافي. باريس بحثت عن ابن الهيثم في أطلال الزمن الغابر واستدعته من بعيد ليضيء شيئا من تاريخ العرب وهيبتهم، واستدعت أيضا ضيفا آخر ليقدم من نسيج ظلام القطب وشتاءاته الطويلة استعراضا ضوئيا راقصا يشبه الى حد كبير استعراضات الشفق القطبي "أورورا". فشكرا باريس.  

مقالات أخرى للكاتب