رأي

خطوط الصدع تتحرك

خطوط الصدع تتحرك

زاهر موسى

لقد مر واحد وعشرون عاما على صرخة هنتنغتون الخافتة وما زال المعاندون ينظرون الى الفوضى بانتظام، ويكتبون عن المتاهات بأسطر لا تخطئ اليقين. لقد وضع الرجل المواجهة على الورق بعد ان أدمت الأرض وأرهقتها، داعيا النخبة القارئة الى الصدمة لا المهاترة. الأمر ببساطة يتجلى بوضوح على الخارطة وكل من يفرك عينيه بعد النظر طويلا لن يغير من الألوان المتمايزة عليها شيئا.   لقد تحدث هارالد ميللر صاحب "تعايش الثقافات" الحانق على هنتنغتون عن الدولة بوصفها ابنة الجغرافيا الملموسة والتي لا يمكن تجاوزها او تجاوز حكم الأسماء فيها، إلا ان الثقب الأسود الذي تركه الصراع في العراق وسوريا أسقط طرحه أرضا بنسبة كبيرة، وفيما يخص "حوار الحضارات" لنقرأ الخطوط العامة مجددا، ولنكتشف سوية ان الفرضية تتحدث عن نظام ديمقراطي عالمي، فيا للعجب من دول لم تتبن الديمقراطية في بلدانها لتطالب بها على مستوى دولي.   من قرائن صدام الحضارات الأكثر رسوخا هو مفهوم حروب خط الصدع، وقد أشار فؤاد عجمي بلغة مناورة الى ان خطوطا للصدع قد اجتاحت المجتمعات المسلمة مع تبنيها لقيم الغرب، وهكذا فقد كان التوتر في أحشاء تلك المجتمعات، وربما بلغة واحدة أحيانا، لكن المتابع لواقع الجاليات المسلمة في الغرب يرى بوضوح ان تلك المجتمعات المنغلقة على ذاتها غالبا والتي يزداد سوادها تتكثف منذ عقود ما جعلها خطا للصدع في أحشاء المجتمعات الغربية هي الأخرى إذن، هل هي ذئاب منفردة؟ ام طلائع لصدام محتمل يشبه صدام الإسلام السياسي مع الدول التي تبنت قيم الغرب – حتى لو كان بشكل مشوه – في الدول الاسلامية منذ خمسينيات القرن الماضي؟ الحقيقة ان الغيتو الاسلامي المتطرف في الغرب يزداد منعة وصلابة بشكل أكثر ذكاء من نظرائهم في الدول ذات الثقافة الاسلامية والحكم الوضعي.   لقد تصادم الكثيرون مع هنتنغتون محققين فكرته على مستوى الجدل أولا، وغالبا ما كان المجادل يحارب الفكرة بدلا من طرح بديل لها سوى بعض التصورات الكولاجية التي يمكنك فيها القفز من روجيه غارودي الى محمد سليم العوا دون الاهتمام الى تمايز الخطاب وفوارق الأسس القيمية بينهما. المشكلة في الرضوخ لواقع العولمة الذي يرتكز للبعد الثقافي في الأساس ورفض الركن ذاته – تأثير الثقافة في نمط الصراع – في الشأن السياسي، وتحديدا في "صدام الحضارات" وهو تناقض خطير، ولمن لا يرى العولمة مستندة للبعد الثقافي في المقام الأول أقول ان الفارق المعرفي يجعل الوجبات السريعة في الدول الفقيرة متشابهة أمام المواطن، فما الحاجة لتصدير ماكدونالد مثلا؟ ان تحرك خطوط الصدع بين حضارتين بشكل متنافر ربما ينتج توترا خلاقا في النهاية.  

مقالات أخرى للكاتب