أعمدة رئيسية

بحثا عن بدائل

بحثا عن بدائل

سلوى زكو

عندما تستورد كل ما تستهلكه، من إبرة الخياطة وحتى إبرة السلاح، فإنك تتحول بذلك الى بلد خامل يعيش بكسل على جهود الآخرين لمجرد انك تمتلك ما تشتري به. وعندما تقع في محنة فإن الآخرين لن يسارعوا لنجدتك، لأن التجارة شطارة وانت لم تكن شاطرا في إدارة مواردك.   ومع الانهيار السريع والمريب لأسعار النفط وقعنا في محذور لم نتحسب له، فلقد كنا من السذاجة بحيث تخيلنا ان الأمور ستبقى على ما هي عليه فنظل نشفط النفط من باطن الأرض لتتدفق علينا الأموال بلا حساب، وتنهب أيضا بلا حساب.   وبعد ان راحت السكرة وجاءت الفكرة، دعا بعض المسؤولين والسياسيين الى البحث عن بدائل تعزز الموارد وتنقذ الاقتصاد من ورطته. وشرعت الحكومة بأسهل الحلول، وهو فرض الضرائب، رغم ان الضرائب قد تجلب بعض المال الى خزينة الدولة لكنها لا تصنع حراكا اقتصاديا ولا تبني بلدا ينهار تحت وطأة الفساد وسوء الادارة وانعدام الضمير.   بعد 2003، كان الشعار الأعلى صوتا هو التحول الى اقتصاد السوق. وظن البعض، لفرط جهله ولسوء حظنا، ان مجرد قتل القطاع العام سوف يحولنا اوتوماتيكيا الى اقتصاد السوق. وها نحن نقع اليوم في حفرة من أبرز سماتها ان اقتصادنا اصبح عشوائيا لا صفة له. ويذكرني هذا بصدام حسين يوم أراد ان يتخلص من وجود الطبقة العاملة فأصدر أمره بتحويل كل عمال القطاع العام الى موظفين. وما درى ان المهنة هي التي تمنح الصفة لا العكس، وما دمت تعمل في مصنع فأنت عامل سواء أرضي (القائد) ام لم يرض.   وفقا لأرقام وزارة الصناعة والمعادن، هناك 230 مصنعا ومجمعا صناعيا تابعا للقطاع العام تتوزع على قطاعات عديدة منها الانشائية والنسيجية والغذائية والدوائية والكهربائية  والجلدية والبتروكيماويات. كانت هذه الصروح الصناعية تطرح انتاجا عالي الجودة يتنافس بجدارة مع البضاعة الأجنبية. صحيح ان هذه الجودة تراجعت في سنوات الحصار بسبب نقص المواد الأولية وقطع الغيار، إلا انها كانت تغطي حاجة البلد بالكامل وتظل أفضل بكثير من تلك البضاعة الرديئة التي تملأ الاسواق اليوم وتستنزف دخول المواطنين الذين يضطرون الى استبدالها من حين لآخر.   ولمن يتحجج بأن مصانع القطاع العام أصبحت مستهلكة لا تصلح إلا للبيع بصفة خردة، أسوق المثال التالي. زرت يوما مصنعا لانتاج الشوكولاتة يقع في ضواحي موسكو يعود تاريخ تأسيسه الى زمن القياصرة، وتحديدا في العام 1884. كان المصنع يعمل بكامل طاقته الانتاجية ويغطي جزءا من حاجة السوق، والعاملون فيه يفخرون بقدمه وبقدرتهم على صيانته وإدامته كل هذه السنين. وكان يقف في باب المصنع لاستقبال الضيوف رجل مسن بلحية روسية مشذبة يعده العاملون ايقونة المصنع فهو أقدم عامل على قيد الحياة.   أتطلع بأسى الى ايقونات الصناعة العراقية وهم يجوبون الشوارع مطالبين بحقوقهم وبالحفاظ على مصانعهم. كثيرون من هؤلاء العمال المتظاهرين أصبحوا بفضل خبرتهم  (اسطوات) في مهنتهم يعرفون كل ترس وكل برغي في المصنع ويمكنهم بالتأكيد الاسهام في إعادة تأهيل مصانعهم. لكن يبدو اننا أصبحنا متخصصين في إهدار الخبرات ونبذ الكفاءات. ما تحتاجه مصانع القطاع العام هو الاعتراف بوجودها أولا، بدلا عن النظر اليها بوصفها عبئا على وزارة الصناعة كما يرى وزيرها. كما يحتاج الانتاج العراقي، وبعضه مكدس في المخازن لعجزه عن منافسة البضاعة الرديئة المستوردة، إلى قرار يحميه من المنافسة ليعود كما كان يغطي حاجة البلد. هل تعجز الدولة عن مواجهة بضع مئات من التجار الطفيليين الذين يكدسون الأموال باستيراد تلك السلع الرديئة؟ للباحثين عن بدائل هذا أمامكم بديل لا يخيب.  

مقالات أخرى للكاتب