أعمدة رئيسية

هذا ما قاله ابن سطيح

هذا ما قاله ابن سطيح

عقيل عبد الحسين

(ليالي سطيح) لحافظ إبراهيم شاعر النيل (1872-1932)، واحد من كتب السرد العربي المبكرة صدر العام 1906. وهو ينتمي إلى المرحلة الأولى من عمر السرد العربي الحديث التي تمتد بين عام 1870، تاريخ صدور أول رواية، وهي (الهيام في جنان الشام) لسليم البستاني (1848-1884)، وعام 1914 تاريخ صدور رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل (1888-1956).   وتمتاز روايات هذه الحقبة عموما بالانشغال بقضية الإصلاح والنهضة. وبما يتفرع من هذه القضية من مسألة العلاقة بالغرب والعلاقة بالذات، وسؤال النهضة الكبير، وهو: كيف يكون الإصلاح؟ وإجاباته التي تتراوح بين العودة إلى الذات، أو الذهاب إلى الأنموذج الغربي، أو التوفيق بينهما على أساس الثقة بالذات.   وفيما يخص جانب الذات ونقدها، وعدّ ذلك الفعل السبيل الوحيد للإصلاح والنهضة، ظهر أكثر من عمل سردي، من بينها (حديث عيسى بن هشام) لمحمد المويلحي (1856-1930) (على شكل مقالات في الصحف جُمعت عام 1907)، وكتاب مقالنا هذا (ليالي سطيح) لحافظ إبراهيم.   والملاحظ أن العملين ظهرا في نهاية الحقبة الأولى من عمر السرد العربي الحديث، أي بعد أن فرغت الرواية من مناقشة أسئلة التنوير والنهضة والعلاقة بالآخر، كما فعل علي مبارك (1823-1893)، وفرح انطون (1874-1922)، وغيرهما. وهي فترة شهدت تراجع طموح المثقفين والكتّاب، وانحساره فيما لا يتعدى الإصلاح الذي يقوم على نقد المجتمع وعاداته وسلوكياته وكسله وتراخيه وانصرافه عن العمل والعلم والبناء. وهذه كلها أمور ناقشها كتاب (ليالي سطيح) مثلما ناقشها (حديث عيسى بن هشام).   ومن الناحية السردية قويت في كتابات هذه المرحلة الحكاية عن الواقع والمجتمع. وفي كتابَي حديث عيسى وليالي سطيح تعتمد الحكاية على شخصيتين الأولى من الواقع ومن الحاضر، والثانية من الخيال ومن الماضي. ومن خلال تلاقي الشخصيتين يتم التعرض لمشكلات المجتمع ونقدها. ففي القسم الأول من (ليلي سطيح) يلتقي الراوي بسطيح الكاهن الجاهلي الشهير والمتنبئ بقدوم النبي وبالإسلام، ويعرض عليه مشكلات المجتمع ومشكلات بعض أفراده، ويتلقى منه الرأي فيها، والنبوءة، كما في تبشيره لصاحب الراوي، وهو كاتب يعاني من إهمال الناس ورفضهم لآرائه في تحرير المرأة من الحجاب، بأن يقول له: وسوف يأتي يوم يعرفون فيه قدر كتابتك، ويقدرون فيه مقدار خطئهم من مقدار صوابك، فانتظر ذلك اليوم.   وفي القسم الثاني من الكتاب يلتقي الراوي بابن سطيح، ويأخذه في جولة في المدينة يطلعه فيها على بعض مشكلات الأمة المصرية من خلال اللقاء ببعض الأفراد، أو زيارة بعض الأماكن كالملاهي.   وإذا كان سطيح يقدّم ما يشبه النبوءات للراوي وللشخصيات التي يجلبها معه الأخير ليتنبأ لهم الكاهن بما يكون من مشكلاتهم، فإن ابن سطيح يقدّم حلا للراوي، وللقرّاء، بعد أن يرى ما يرى، ويسمع ما يسمع، ويتأكد من أن الأمة المصرية الغارقة في المشكلات الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، بسبب الاستعمار وبسبب طبيعتها الميّالة إلى الخضوع والخوف والتملق والكسل، لا تحتاج إلى نبوءات، ولن يشفيها النقد، أو الكلام، أو الكتابة وحدها من غير اقتراح حل لأصل المشكلات كلها.   والحل لا يشبه النبوءة، وليس مثاليا، ولا يعتمد على طروحات مثل الإفادة من حضارة الآخر وثقافته وخبرته، أو العودة إلى الدين، وإلى قيم الإسلام وقيم المجتمع العربي التقليدية وأخلاقياته، كما كان ينادي بذلك كتّاب مصلحون في كتبهم روائية الشكل مثل علي مبارك في كتابه (علم الدين) (1882).   الحل الذي يقدمه حافظ إبراهيم هو حل علمي وعملي، وبسيط وممكن العمل به بسهولة، ويُختصر، وعلى لسان ابن سطيح، بأنه العمل على إنشاء الجامعة (وحين ذاك لم تكن الجامعة المصرية قد أنشئت).   ولا بد من أن حافظ إبراهيم من خلال شخصياته في (ليالي سطيح)، وبتأثير أستاذه المصلح محمد عبده (1849-1905) فيه، كان يثق بأن الجامعة، بما لها من قدرة على ترسيخ قواعد المنهج والنظرة الموضوعية، هي السبيل الوحيد لمواجهة سيل التأخر والخرافة التي كان يرعاها التعليم التقليدي الذي تحتضنه وتحافظ عليه البيئات الدينية.   ولذا تجده يعقد الأمل بالإصلاح، كل الأمل، على الجامعة. ويقول: ((سبيل الإصلاح أن تُبنى الجامعة... فتتماسك الأمة ويكثر فيها الدعاة إلى الخير، فليس بينها وبين الحياة إلا أن يُخرِج لها العلمُ الصحيحُ رجالا يقودون الأفكار ويسلكون بها سبيل الرقي)).  

مقالات أخرى للكاتب