أعمدة رئيسية
يحدث أحيانا ان يقترن اسم شحص ما بالفترة التي تسلم فيها زمام الأمور، وذلك عندما تتسبب تلك الفترة بإحداث تغييرات جذرية في المشهد. هكذا أصبحنا نسمي فترة السنوات الثماني التي مضت الفترة المالكية التي تغير فيها وجه العراق الذي عرفناه منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
في هذه الفترة، تم محو خط الحدود الفاصل بين سوريا والعراق، فتدفقت داعش لتحتل أكثر من ربع مساحة البلاد في غضون أسابيع. ودخلت الأرض العراقية وأجواءها قوات أجنبية مختلفة الأعراق والجنسيات لا نعرف كيف ستخرج منها. وفي هذه الفترة أيضا، هجّر أكثر من مليوني عراقي، وخربت مدن وقرى بكاملها، ومحيت شواهد أثرية عمرها مئات السنين، وضاعت أرواح وأموال أوصلت الدولة الى حافة الإفلاس، ونمت وتكاثرت مافيات الفساد، وامتلأت الصدور بالأحقاد والضغائن والأحزان. وإن لم يكن كل ذلك تغييرا، فكيف يكون التغيير اذن؟
ليس واضحا بعد إذا ما كان العبادي سينجح في إحداث التغيير المطلوب كي يقترن اسمه بالمرحلة. صحيح انه جاء ثمرة لتوافق نادر بين القوى الدولية والاقليمية والمحلية، وانه حظي بتأييد شعبي واسع إلا ان ما سيجيء هو الذي سيقرر مدى نجاحه في هذه المهمة العسيرة.
منذ أسبوعها الأول، بدأت العقبات تزرع في طريق حكومة العبادي، والتي ما زلنا نشاهدها كل يوم على شكل صراعات داخل البرلمان وتصريحات وخطوات متشنجة يراد بها إرباك الموقف وخلط الأوراق وإفشال أية محاولة لإصلاح ما أفسده الآخرون.
وحكومة العبادي مطالبة باجتراح معجزات ثلاث:
تحرير الأرض من قبضة داعش، والسيطرة فيما بعد على كل ما سيلي ذلك من نزعات انتقام او محاولات في التغيير الديموغرافي او الاستحواذ على مغانم خارج سلطة الدولة.
إعادة بناء الدولة على أساس من فرض القانون على الجميع، وذلك بالعمل على تشريع منظومة قوانين تسمو فوق النزعات الطائفية والاثنية والمناطقية يحميها قضاء مستقل ومعافى.
تفكيك منظومة الفساد التي شلت مفاصل الدولة وعطلت قوانينها وسياقاتها وأهدرت المال العام على مدى سنوات عدة. وهذه المهمة وحدها تتطلب بطولة في التصدي، لأن منظومة الفساد تضم بين ثناياها جهات وشخصيات متنفذة تعد حليفا سياسيا وطرفا فاعلا في الحكومة.
بدأ العبادي وحكومته باندفاعة سريعة نحو محاربة الفساد في المنظومة الأمنية والعمل على اعادة بنائها وفق مواصفات وطنية بحتة. ثم تباطأ العمل وارتبك تحت ضغط ظروف الحرب وشحة الموارد والتجاذبات بين الدولة والعشائر والفصائل المسلحة. كل طرف يريد ان يحظى بأقصى قدر من مكاسب الأرض والمال والسلاح، حتى بدا المشهد العسكري كما لو ان الجيش العراقي هو الفصيل الأقل أهمية وفاعلية في الحرب.
من المؤكد ان التعاون بين كل هذه الأطراف ضروري من اجل تحرير الأرض، لكن، إن لم تكن الدولة هي سيدة الموقف، فان هذا التعاون يمكن ان يفضي الى استحقاقات ما بعد الحرب لكل طرف من هذه الأطراف، وهي استحقاقات ستأكل بالتأكيد من جرف الدولة بل ومن بنيتها الأساسية.
فيما عدا ذلك، ليس في المشهد ما يشير الى فتح جدي لملفات الفساد ولا اجراءات لبناء دولة حديثة. بل وهناك بوادر غير مشجعة تشير الى ضعف التناغم والتنسيق في عمل الحكومة الذي يفترض ان يكون منصبا على حسن إدارة الموارد الشحيحة التي وفرتها الموازنة. فلقد أعلن وزير النقل قبل أيام عن نية وزارته بناء ثلاثة مطارات جديدة قي بغداد والفرات الأوسط والبصرة رغم ان المسافة بين نقاط هذا المثلث يمكن ان تقطع بالسيارة في ساعات. كما وقع وزير الصناعة والمعادن عقدا مع شركة شل قيمته أحد عشر مليون دولار لبناء مجمع للبتروكيماويات في البصرة. كل هذا وغيره يجري في ظل موازنة ربعها عجز.
الزمن يمر وضعف التوقيت يمكن ان يفكك التوافقات ويطيح بالتأييد الشعبي.