أعمدة رئيسية

كيف تصنع إرهابيا؟

كيف تصنع إرهابيا؟

سلوى زكو

لطالما تساءلت كيف يمكن ان يصل إنسان، او يتم ايصاله، الى مرحلة الإرهابي؟   يبدو الإرهابيون للإنسان السوي كما لو كانوا مخلوقات هبطت من كوكب آخر، كما يحدث في أفلام الرعب، لتقتل وتحرق وتدمر. لكنهم بشر مثلنا، ولدوا أطفالا أبرياء، ثم دخلوا المدارس ليجلسوا الى جوار أبنائنا على مقاعد الدراسة، وتخرجوا ووصل بعضهم الى مراتب عليا في التعليم، ومارسوا مهنا شتى، مدنية وعسكرية، وتزوجوا وأنجبوا، ثم انقلبوا فجأة الى إرهابيين.   هل كان التحول فجائيا حقا؟   كتب كثيرون من قادة الإخوان المسلمين، الذين خرجوا من عباءة التنظيم، عن تجاربهم في تحويل البشر الى أدوات تسمع وتطيع فتنفذ، وهي مرحلة يصل فيها المرء الى درجة التبلد التام والتجرد من أية مشاعر إنسانية. وهي عملية مطولة وصبورة قد تستغرق سنوات عدة تكون الخطوة الأولى فيها هي محاصرة الهدف لعزله عن محيطه الطبيعي وتغذيته بمشاعر الكراهية والعداء لكل من هو مختلف عن الجماعة. لا يختلط إلا بالإخوان، ولا يقرأ غير أدبياتهم، غير مسموح له بمشاهدة الأفلام السينمائية او الاستماع الى الموسيقى او الغناء، ولا يتزوج إلا بإخوانية مثله كي ينشئ جيلا إخوانيا جديدا.   والإخوان، شأنهم شأن كل الجماعات الباطنية المغلقة، يمثلون جيشا من الروبوتات الذي يمكن استخدامه لأيما غرض، بما في ذلك الإرهاب. وهم في الأصل صناعة بريطانية بمواصفات امبراطورية حاذقة، بدأت منذ أوائل القرن الماضي لتعتاش على التطرف الديني. والبريطانيون معروف عنهم أنهم قبل ان يغادروا أي مكان يعتمدون سياسة (عودة أبو الطبل) كما يرويها المخيال الشعبي عندنا.   هذا هو السبيل الذي تتبعه كل الجماعات المتطرفة في غسل أدمغة أتباعها، مع تنويعات عدة تفرضها الظروف او يفرضها مكان الحدث، ولهم أدوات في كل مكان وبلد من جمعيات (دينية) او خيرية او مساجد وتكايا وأدبيات وقنوات تلفزيونية تتولى المرحلة الأولى من صناعة الإرهابي وهي عزله عن مجتمعه وتغذيته بالكراهية.   وداعش هي النسخة الأشد شراسة والأكثر دموية، خرجت أصلا من عباءة القاعدة، وليس مستبعدا أبدا ان تكون صناعة دول كبرى، كما كانت القاعدة صناعة أميركية. ويستند الإرهاب الداعشي الى فكرة الخلافة بمفهومها السلطوي ويدعو الى احيائها. ولا يبدو ان الفكرة جاءت ثمرة لعبقرية البغدادي او غيره، إنما هي حصيلة دراسات معمقة لمراكز أبحاث وأجهزة مخابرات نبشت في تاريخ الخلافة فاستخرجت منه أكثر صفحاته دموية لتصنع منها غطاء فكريا للدواعش.   في واقع الأمر ان ما عرف بالخلافة الإسلامية ما هو إلا نسق دولة شمولية تتخذ من الدين غطاء لشموليتها. وفي تاريخ الخلافة، سواء أكانت أموية ام عباسية ام عثمانية، صفحات بشعة من التعامل مع الأعداء او الخصوم يعاد اليوم إحياؤها أمام أنظارنا. يروي التاريخ عن خلفاء وسلاطين كانوا يقتلون منافسيهم المفترضين، حتى وان كانوا من أبنائهم او خلصائهم، بقطع الرقاب او السم او الخنق او الحرق او الخوازيق. ويروى عن أحد سلاطين آل عثمان انه قتل ستة عشر أخا له دفعة واحدة خشية ان ينافسه أحدهم على السلطنة.   هذا هو الجزء المظلم من التاريخ الذي يراد إعادة إحيائه وفرضه على المنطقة. فالبغدادي هو الخليفة الذي لا يرد له أمر، هو الذي يسن القوانين ويغزو البلدان ويختار الحكام والقضاة ويوزع الغنائم والسبايا ويؤم الصلاة.   إن محاربة مثل هذا الفكر الظلامي لا تكون بالجيوش وحدها إنما بتجفيف منابع الفكر المنتشرة في كل مكان.  

مقالات أخرى للكاتب