رأي
كتب لي أحدهم معترضا على رأي كنت نشرته في السابق، وكانت حجته اننا نحن الشيعة الأكثرية في هذا البلد وبالتالي فان من حقنا أن نفعل ما فعلناه. قلت له لو أن مسيحيا واحدا أو مندائيا أو ايزديا بقي على أرض هذا البلد فإن حقوقه عليك هي بالضبط مثل حقوقك عليه. حسابات الأكثرية والأقلية هذه تستخدم في الانتخابات أو التصويت في البرلمان، لكن مفعولها يتوقف عند حق المواطنة المكفول للجميع وفقا للدستور الحاكم ووفقا لشرعة حقوق الإنسان.
يبدو أننا سنظل زمنا طويلا نعاني من إشكالية تغليب الهوية الفرعية على الهوية الوطنية الجامعة. ومن يغذي هذه النزعة وينشرها بحجج شتى هم أولئك الساسة الذين بنوا لأنفسهم على مدى السنوات الماضية إمارات تتاجر بكل ما يقع تحت يديها من بشر وأرض ومال ومصالح. بعض الساسة الشيعة من أقطاب الإسلام السياسي يبنون إمارة الأكثرية يقابلهم ساسة من السنة يبنون إمارة التهميش والمظلومية.
هل تتذكرون موضوعة مظلومية الشيعة التي ارتفع صوتها عاليا بعد 2003؟ لم يعد أحد يتحدث عنها رغم أن المحافظات التي تسكنها أغلبية شيعية وتحكمها مجالس محافظات ذات أغلبية شيعية تعاني من مظلومية المتاجرة بالمظلومية. فالأكثرية التي يتحدثون عنها يعيش أفرادها في مدن تحولت بفعل الاهمال والفساد إلى خرائب، تدخل مياه المجاري عليهم في بيوتهم، لا يكادون يجدون قوت يومهم، شبابهم تلتهم البطالة أيامهم وقد تنتهي حياة الكثيرين منهم عند ساتر عسكري أو وسط لهيب مفخخة أرسلها لحصادهم أمراء الحرب. وما المحافظات ذات الأغلبية السنية إلا نسخة متطابقة منها.
في غضون عقد واحد من الزمن، كدست هذه الإمارات ثروات هائلة من الأموال والعقارات والشركات، الحقيقية منها أو الوهمية، يحرسها كم لا نعرف مداه من السلاح وفرق من رجال فقدوا أي ملمح إنساني تقف لحراسة بواباتها العالية.
هناك أثرياء في كل بلاد الدنيا، لكن يبدو أن اثرياءنا هم الأسوأ على الإطلاق، لأنهم طفيليون نبتوا فجأة على نحو شيطاني، وبالتالي فانهم لا يصنعون شيئا لهذه الأرض التي يريدون أن يحلبوها حتى القطرة الأخيرة من النفط. لم يبنوا مصنعا واحدا ولا زرعوا أرضا ولا أسسوا صرحا تعليميا أو صحيا. بل انهم فشلوا حتى في إقامة شبكة تجارة سليمة ونظام مصرفي يخدمها رغم أنهم يوصفون في الغالب بأنهم تجار ورجال أعمال. وما يفعله الأثرياء في مختلف البلدان هو انهم يستثمرون أموالهم في مشروعات تخدم مجتمعاتهم وتخدم أموالهم أيضا إلا نحن، لأن الامارة التي صنعوها تظل موقتة، مثل السكن في كارافان، بلا أساس يحفر في الأرض، فالحدود مفتوحة أمامهم ساعة تحين الساعة.
محدثو النعمة هؤلاء هم أس البلاء في هذا الوطن.